كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

المطالعة وخروج الأمر. فقلت له على مضض غالب وبصوت خافت: قل له كأني بك وأنت تقول قد بلغ الكوكب الفلاني إلى الموضع الفلاني، وتهذي علي في هذا المعنى هذيانا لا يتسع له صدري، ولا يحتمله قلبي وجسمي، وما أقدر على سماع ما عندك فانصرف.
فخرج الحاجب وعاد متعجبا وقال: إما أن يكون [أبو] الحسين قد اختلّ وإما أن يكون عنده أمر عظيم، فإنني أعدت عليه ما قاله مولانا، فقال: ارجع وقل له والله لو أمرت بضرب رقبتي لما انصرفت أو أراك، ومتى أوردت عليك في معنى النجوم حرفا فحكمك ماض فيّ، وإذا سمعت ما أحدثّك به عوفيت في الوقت وزال ما تجده.
فعجبت من هذا القول عجبا شديدا مع علمي بعقل أبي الحسين وشدة تحقيقه وقلّة تحريفه، وتطلعت نفسي إلى ما عنده، فقلت: هاته! فلما دخل قبّل الأرض وبكى، وقال: أنت والله يا مولانا في عافية ولا خوف عليك، اليوم تبلّ وتستقلّ، ومعي دلالة على ذلك. قلت: وما هي؟ ولم أكن حدثته من قبل بحديث المنام الذي رأته أمي ولا سمعه أحد مني. فقال: رأيت البارحة في منامي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والناس يهرعون إليه، ويجتمعون عليه، ويفاوضونه أمورهم، ويسألونه حوائجهم، وكأني قد تقدمت إليه وقلت له: يا أمير المؤمنين، أنا رجل في هذا البلد غريب، تركت نعمتي وتجارتي بالريّ، وتعلقت بخدمة هذا الأمير الذي أنا معه، وقد بلغ في علّته إلى حدّ أيس فيه من عافيته، وأخاف ان أهلك بهلاكه، فادع الله له بالسلامة. قال: تعني فنّاخسرو بن الحسن بن بويه؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: امض إليه غدا وقل له: أنسيت ما أخبرتك به أمّك عني في المنام الذي رأته وهي حامل بك؟ ألم أخبرها مدة عمرك وأنك ستعتلّ إذا بلغت كذا وكذا سنة علّة ييأس فيها منك أهلك وطبك، ثم تبرأ منها، وفي غد يبتدىء برؤك، ويتزايد إلى أن تركب وتعود إلى عاداتك كلها في كذا وكذا

الصفحة 222