كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

الدنيا لم تصف لأحد يوما واحدا، فإذا خلوت يومي هذا فاحجبوا عني الأخبار وخلّوني ولذّتي. وخلا مع جاريته حبّابة- وكان شديد الشغف بها- فبينا هو يسقيها وتسقيه وتغنيه إذ تناولت حبّة رمّان فغصّت بها فماتت لوقتها. فانزعج وتركها [أياما] حتى عذله بنو أميّة وقالوا: إنها جيفة! وألحّوا عليه فدفنها ومشى في جنازتها وهو يقول: [من الطويل]
فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلّد
فعدّ بينهما خمسة عشر يوما.
«449» - قال محمد بن الحارث بن بسخنّر: كانت لي نوبة في خدمة الواثق في كل جمعة، إذا حضرت ركبت إلى الدار، فإن نشط للشراب أقمت عنده، وإن لم ينشط انصرفت؛ وكان رسمنا أن لا يحضر أحد منا إلا في يوم نوبته. فإني لفي منزلي في غير يوم نوبتي، إذا برسل الخليفة قد هجموا عليّ وقالوا [لي: احضر؛ فقلت:
ألخير؟ قالوا: خير] ، فقلت: إن هذا يوم لم يحضرني فيه أمير المؤمنين قطّ، [ولعلكم] غلطتم؛ قالوا: الله المستعان! لا تطول وبادر، فقد أمرنا أن لا ندعك تستقرّ على الأرض. فدخلني فزع شديد، وخفت أن يكون ساع قد سعى بي، وبليّة قد حدثت في رأي الخليفة عليّ. فتقدّمت بما أردت وركبت حتى وافينا الدار، فذهبت لأدخل على رسمي من حيث كنت أدخل فمنعت. وأخذ بيدي الخدم فعدلوا بي إلى ممرات لا أعرفها، فزاد ذلك من جزعي وغمّي. ثم لم يزل الخدم يسلمونني من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصحن، ملبّسة الحيطان بالوشي المنسوج بالذهب، ثم أفضوا بي إلى رواق أرضه وحيطانه ملبّسة بمثل ذلك، وإذا الواثق في صدره على سرير مرصّع بالجوهر، وعليه ثياب منسوجة بالذهب، وإلى جانبه فريدة جاريته، عليها مثل ثيابه، وفي حجرها عود.

الصفحة 226