كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

فلما رآني قال: قد جوّدت والله يا محمد، إلينا إلينا! فقبّلت الأرض ثم قلت: يا أمير المؤمنين، خيرا! قال خيرا! أما ترانا! طلبت والله ثالثا يؤنسنا فلم أر [أحقّ] بذلك منك، فبحياتي بادر وكل شيئا وبادر إلينا؛ فقلت: قد والله يا سيّدي أكلت وشربت أيضا، قال: فاجلس، فجلست وقال: هاتوا لمحمد رطلا في قدح، فأحضرت ذلك واندفعت فريدة تغنّي: [من الطويل]
أهابك إجلالا [وما بك] قدرة ... عليّ ولكن ملء نفس حبيبها [1]
فجاءت والله بالسّحر، وجعل الواثق يجاذبها، وفي خلال ذلك تغنّي الصوت بعد الصوت، وأغنّي أنا في خلال غنائها، فمرّ لنا أحسن ما مرّ لأحد. فإنّا لكذلك إذ رفع رجله فضرب بها صدر فريدة ضربة تدحرجت بها من أعلى السرير إلى الأرض، وتفتّت عودها، ومرّت تعدو وتصيح؛ وبقيت كالمنزوع الروح، ولم أشكّ في أنّ عينه وقعت عليّ، وقد نظرت إليّ ونظرت إليها.
وأطرق إلى الأرض متحيّرا، وأطرقت أتوقّع ضرب العنق. فإني كذلك إذ قال لي: يا محمد، فوثبت، فقال لي: ويحك أرأيت أعجب ممّا [تهيّأ علينا] ؟
فقلت: يا سيدي، الساعة والله تخرج روحي، فعلى من أصابنا بعين لعنة الله، فما كان السبب والذّنب؟ قال: لا والله، ولكن فكّرت في أنّ جعفرا يقعد هذا المقعد غدا وتقعد معه كما هي قاعدة معي، فلم أطق الصّبر، وخامرني ما أخرجني إلى ما رأيت. فسرّي عني وقلت: بل يقتل الله جعفرا، ويحيا أمير المؤمنين أبدا، وقبّلت الأرض وقلت: يا سيّدي، ارحمها ومر بردّها. فقال لبعض الخدم الوقوف: مر [من] يجيء بها، فلم يكن بأسرع من أن خرجت وفي يدها عودها، وعليها غير الثياب التي كانت عليها، فلما رآها جذبها إليه، وغلبها البكاء فبكت، وجعل هو يبكي واندفعت أنا في البكاء. فقالت: ما ذنبي يا مولاي؟ وبأيّ شيء استوجبت هذا؟ فأعاد عليها ما قاله لي وهو يبكي وهي
__________
[1] في سمط اللآلىء 401 لنصيب وانظر شرح الحماسة 559 عند المرزوقي.

الصفحة 227