كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

تبكي؛ فقالت: سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا ضربت عنقي الساعة وأرحتني من الفكر في هذا، وأرحت قلبك من الهمّ! ثم مسحا أعينهما، ورجعت إلى الغناء.
وأومأ إلى خدم وقوف بشيء لا أعرفه، فمضوا وأحضروا أكياسا فيها عين وورق [1] ، ورزما فيها ثياب كثيرة، وجاء خادم بدرج ففتحه، وأخرج منه عقدا ما رأيت قطّ مثل جوهر كان فيه، وأحضرت بدرة فيها عشرة آلاف فجعلت بين يديّ، وخمسة تخوت عليها ثياب، وعدنا إلى أمرنا وإلى أحسن ما كنّا، فلم نزل كذلك إلى الليل وتفرّقنا.
وضرب الدهر من ضربه، وتقلّد المتوكّل، فو الله إني لفي منزلي يوم نوبتي إذ هجم رسل الخليفة عليّ فما أمهلوني حتى ركبت، فصرت إلى الدار، فأدخلت الحجرة بعينها، وإذا المتوكل في الموضع الذي كان فيه الواثق وعلى السرير بعينه، وإلى جانبه فريدة، فلما رآني قال: ويحك! ما ترى ما أنا فيه من هذه؟ أنا من غدوة أطالبها بأن تغنّي فتأبى ذلك، فقلت لها: سبحان الله! تخالفين سيّدك وسيّدنا وسيّد البشر! بحياته غنّي، فضربت ثم اندفعت تقول [2] : [من الوافر]
مقيم بالمجازة من [قنونا] ... وأهلك بالأجيفر فالثّماد
فلا تبعد فكّل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
ثم ضربت بالعود الأرض ورمت بنفسها عن السرير، ومرّت تعدو وهي تصرخ: واسيّداه! فقال لي: ويحك! ما هذا؟ فقلت: لا أدري والله يا سيدي، فقال: ما ترى؟ قلت: أرى والله أن تحضر هذه ومعها غيرها، فإنّ الأمر يؤول إلى ما يريد أمير المؤمنين، قال: فانصرف في حفظ الله، فانصرفت ولم أدر ما كانت القصّة.
__________
[1] العين: الذهب المضروب، والورق: الدراهم من الفضة.
[2] الشعر لكثير عزة، انظر ديوانه: 222.

الصفحة 228