كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

«450» - وروي أنّ رجلا من أهل مكة من بني جمح ولدت له جارية لم يولد مثلها في الحجاز حسنا، فقال: كأني بها قد كبرت، فنسب بها عمر بن أبي ربيعة وفضحها ونوّه باسمها كما فعل بنساء قريش، والله لا أقمت بمكة. فباع ضيعة له بالطائف ومكّة، ورحل بابنته إلى البصرة، وأقام بها، وابتاع هناك [ضيعة] . ونشأت ابنته من أجمل نساء زمانها. ومات أبوها، فلم تر أحدا من بني جمح حضر جنازته، ولا وجدت لها مسعدا [1] ، ولا عليها داخلا. فقالت لداية لها سوداء: من نحن؟ ومن أيّ البلاد نحن؟ فخبّرتها. فقالت: لا جرم، والله لا أقمت بهذا البلد الذي أنا فيه غريبة! فباعت الضيعة والدار وخرجت في أيام الحجّ. وكان عمر يقدم فيعتمر في ذي القعدة ويحلّ ويلبس الحلل الوشي، ويركب النجائب المخضوبة بالحنّاء عليها القطوع [2] والديباج، ويسبل لمّته ويتلقّى العراقيات. فخرج لعادته فإذا قبّة مكشوفة فيها جارية كأنها القمر تعادلها جارية سوداء كالسّبجة [3] ، فقال للسوداء: من أنت؟ ومن أين أنت يا خالة؟ فقالت: أطال الله تعبك إن كنت تسأل هذا العالم من هم، ومن أين هم! قال: فأخبريني عسى أن يكون لذلك شأن. قالت: نحن من أهل العراق، فأمّا الأصل والمنشأ فمكّة، وقد رجعنا إلى الأصل ودخلنا مكّة. فضحك، فلما نظرت إلى سواد ثنيّته قالت: قد عرفناك. قال: ومن أنا؟ قالت: عمر بن أبي ربيعة، قال: وبم عرفتني؟ قالت: بسواد ثنيّتك وهيئتك التي ليست إلا لقريش، فقال: [من الخفيف]
أصبح القلب بالجمال رهينا ... مقصدا يوم فارق الظاعنينا
__________
[1] المسعد: من تساعد المرأة في النوح.
[2] القطوع: الطنافس يجعلها الراكب تحته.
[3] السبجة: كساء أسود.

الصفحة 229