كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

«452» - قال عبد الله بن الحسن: جاءني أبو العتاهية وأنا في الديوان فجلس إليّ فقلت له: يا أبا إسحاق، أما يصعب عليك شيء من الألفاظ تحتاج فيه إلى الغريب كما يحتاج إليه سائر الناس ممّن يقول الشّعر؟ فقال: لا، فقلت:
إني لأحسب ذلك من كثرة ركوبك القوافي السهلة، قال: فاعرض عليّ ما شئت من القوافي الصعبة، فقلت: قل أبياتا في مثل البلاغ، فقال من ساعته:
[من الخفيف]
أيّ عيش يكون أفضل من عي ... ش كفاف قوت بقدر البلاغ
ربّ ذي لقمة [1] تعرّض منها ... حائل بينها وبين المساغ
أبلغ الدهر في مواعظه بل ... زاد فيهنّ لي على الإبلاغ
غشمتني [2] الأيام عقلي ومالي ... وشبابي وصحّتي وفراغي
وكان أبو العتاهية لتمكّنه من الطبع يقول: الناس يتكلّمون الشّعر وهم لا يعلمون، ولو أحسنوا تأليفه لكانوا شعراء كلّهم، فبينا هو يحدّث إذ قال رجل لآخر معه مسح [3] : يا صاحب المسح تبيع المسح؟ فقال أبو العتاهية: ألم تسمعوه يقول: [من الرجز]
يا صاحب المسح تبيع المسحا
قد قال شعرا وهو لا يعلم، ثم قال له الرجل: تعال إن كنت تريد الرّبح، فقال أبو العتاهية: وقد أجاز المصراع بمصراع آخر وهو لا يعلم، قال:
تعال إن كنت تريد الربحا
__________
[1] الأغاني: نعمة.
[2] الأغاني: غبنتني.
[3] المسح: كساء من شعر.

الصفحة 231