كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

قرب. فقال لها: هبي لي صندوقا من هذه الصناديق، فقالت: كلّها لك يا أمير المؤمنين، فقال: ما أريد كلّها إنما أريد منها واحدا، قالت: خذ أيّها شئت، قال:
هذا الذي جلست عليه، قالت: خذ غيره فإنّ لي فيه أشياء أحتاج إليها، قال: ما أريد غيره، قالت: خذه يا أمير المؤمنين.
فدعا بالخدم وأمرهم بحمله، فحملوه حتى انتهي به إلى مجلسه، فوضعه فيه ثم دعا بعبيد له عجم فأمرهم بحفر بئر في المجلس عميقة، فنحّي البساط وحفرت إلى الماء، ثم دعا بالصندوق فوضع على شفير البئر ودنا منه وقال: يا صاحب الصندوق! إنّه قد بلغنا شيء إن كان حقّا فقد كفيناك ودفنّاك ودفنّا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلا فإنّما دفنّا الخشب وما أهون ذلك. ثم قذف به في البئر، وهيل عليه التراب، وسوّيت الأرض، وردّ البساط إلى حاله، وجلس الوليد عليه. ثم ما رئي لوضاح بعد ذلك أثر في الدنيا إلى هذا اليوم.
قال: وما رأت أمّ البنين لذلك أثرا في وجه الوليد حتى فرّق الموت بينهما.
«455» - لمّا مات جعفر بن المنصور الأكبر مشى المنصور في جنازته من المدينة إلى مقابر قريش ومشى الناس أجمعون معه حتّى دفنه ثمّ انصرف إلى قصره فأقبل على الرّبيع فقال: يا ربيع، [انظر من في أهلي] ينشدني: [من الكامل]
أمن المنون وريبها تتوجّع
حتى أتسلّى عن مصيبتي. قال الرّبيع: فخرجت إلى بني هاشم وهم بأجمعهم حضور فسألتهم عنها فلم يكن فيهم أحد يحفظها. فرجعت فأخبرته، فقال: والله لمصيبتي بأهل بيتي ألا يكون فيهم أحد يحفظ هذه القصيدة لقلة رغبتهم في الأدب أعظم عليّ وأشدّ من مصيبتي بابني. ثمّ قال:

الصفحة 233