كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

انظر هل في القوّاد والعوامّ من يحفظها فإنّي أحّبّ أن أسمعها من إنسان ينشدها. فخرجت فاعترضت النّاس فلم أجد أحدا ينشدها إلّا شيخا مؤدّبا قد انصرف من تأديبه، فسألته: هل [تحفظ شيئا من الشعر؟] فقال:
نعم، شعر أبي ذؤيب. فقلت أنشدني فابتدأ هذه القصيدة، فقلت: أنت بغيتي. ثمّ أوصلته إلى المنصور فاستنشده إيّاها فلمّا قال:
والدّهر ليس بمعتب من يجزع
قال: صدق، والله، فأنشدني هذا البيت ليتردّد عليّ هذا المصراع، فأنشده ثمّ مرّ فيها فلمّا انتهى إلى قوله: [من الكامل]
والدّهر لا يبقى على حدثانه ... جون السّراة له جدائد أربع
قال: سلا أبو ذؤيب عند هذا القول. وأمر الشّيخ بالانصراف. واتّبعته فقلت:
أمر لك أمير المؤمنين بشيء؟ قال: نعم، وأراني صرّة في يده فيها مائة درهم.
«456» - قال العلاء البندار: كان الوليد بن يزيد زنديقا، وكان رجل من كلب من أهل الشام يقول بمقالته مقالة الثنوية. فدخلت يوما على الوليد وذلك الكلبيّ عنده، وإذا بينهما سفط قد رفع رأسه عنه، وإذا ما يبدو لي منه حرير أخضر، فقال: ادن يا علاء، فدنوت فرفع الحرير، وإذا في السّفط صورة إنسان، وإذا الزئبق والنوشادر قد جعلا في جفنه فجفنه يطرف كأنّه يتحرّك.
فقال: يا علاء، هذا ماني، لم يبعث الله نبيّا قبله ولا يبعث نبيّا بعده. فقلت: يا أمير المؤمنين، اتّق الله ولا [يغرّنّك هذا] الذي ترى من دينك. فقال الكلبيّ:
قد قلت لك يا أمير المؤمنين، قد قلت لك إنّ العلاء لا يحتمل هذا الحديث.
قال العلاء: فمكثت أياما ثم جلست مع الوليد على بناء كان بناه في عسكره يشرف منه، والكلبيّ عنده إذ نزل من عنده، وقد كان حمله على برذون هملاج

الصفحة 234