كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

أشقر من أفره ما سخّر، فخرج على برذونه ذلك، فمضى في الصحراء حتى غاب عن العسكر؛ فما شعر إلا وأعراب قد جاءوا به منفسخة عنقه ميّتا، وبرذونه يقاد حتى سلّموه. فبلغني ذلك فخرجت متعمّدا حتى أتيت أولئك الأعراب، وكان لهم أبيات بالقرب من أرض البخراء لا حجر بها ولا مدر، فقلت لهم: كيف كانت قصّة هذا الرجل؟ قالوا: أقبل علينا على برذون فو الله لكأنّه دهن يسيل [على] صفاة من فراهته، فعجبنا لذلك؛ إذ انقضّ رجل من السّماء، عليه ثياب بيض، فأخذ بضبعيه فاحتمله ثم نكّسه وضرب برأسه الأرض، فدقّ عنقه، ثم غاب عن عيوننا، فاحتملناه فجئنا به.
«457» - لما استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه الشعراء، فجعلوا لا يصلون إليه، فجاء عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعليه عمامة قد أرخى طرفها، فدخل، فصاح به جرير: [من البسيط]
يا أيّها القارىء المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أنّي لدى الباب كالمصفود في قرن
قال: فدخل على عمر، فاستأذنه فأدخله عليه، وقد كان هيّأ له شعرا، فلما دخل عليه غيّره وقال: [من البسيط]
إنّا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
زان الخلافة إذ كانت له قدرا ... كما أتى ربّه موسى على قدر
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم تكتفي بالذي بلّغت من خبري
ما زلت بعدك [في دار] تعرّفني ... قد طال بعدك إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يجود لنا باد على حضر
كم بالمواسم من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنّظر

الصفحة 235