كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

وجدت رقى الشيطان لا تستفزّه ... وقد كان شيطاني من الجنّ راقيا
«458» - وشكا حارثة بن بدر الغدانيّ فأشرف على الموت، ودخل عليه قومه يعودونه فقالوا: هل لك حاجة أو شيء تريده؟ قال: نعم، اكسروا رجل مولاي كعب لئلا يبرح من عندي، فإنّه يؤنسني، ففعلوا، فأنشأ يقول: [من البسيط]
يا كعب صبرا ولا تجزع على أحد ... يا كعب لم يبق منّا غير أجساد
يا كعب ما راح من قوم ولا ابتكروا ... إلا وللموت في آثارهم حادي
يا كعب ما طلعت شمس ولا غربت ... إلا تقرّب آجالا لميعاد
يا كعب كم من حمى قوم نزلت به ... على صواعق من زجر وإيعاد
فإن لقيت بواد حيّة ذكرا ... فاذهب ودعني أمارس حيّة الوادي
«459» - كان أبو دلف بن عيسى العجليّ في جملة من كان مع الأفشين خيذر ابن كاوس لمّا خرج لمحاربة بابك. ثم تنكّر له، فوجّه يوما بمن جاء به ليقتله.
وبلغ المعتصم الخبر، فبعث إليه أحمد بن أبي دواد، وقال له: أدركه وما أراك تلحقه، واحتل في خلاصه كيف شئت.
قال أحمد: فمضيت ركضا حتى وافيت الأفشين، وإذا أبو دلف واقف بين يديه، قد أخذ بيده غلامان تركيّان، فرميت بنفسي على البساط، وكنت إذا جئته دعا لي بمصلّى، فقال: سبحان الله! ما حملك على هذا؟ قلت: أنت أجلستني في هذا المجلس، ثم كلمته في أبي دلف وخضعت له فيه، فجعل لا يزداد إلا غلظة. فلما رأيت ذلك قلت: هذا عبد قد أغرقت في الرّفق به، وليس ينفع إلا أخذه بالرهبة والصّدق، فقمت وقلت: كم تراك قدّرت في نفسك أن تقتل من أولياء أمير المؤمنين واحدا بعد واحد، وتخالف أمره في قائد بعد قائد؟
قد حملت إليك هذه الرسالة عن أمير المؤمنين، فهات الجواب!

الصفحة 237