كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

قال: فذلّ حتى لصق بالأرض، وبان الاضطراب فيه، فلما رأيت ذلك نهضت إلى أبي دلف، فأخذت بيده وقلت: أخذته بأمر أمير المؤمنين، فقال: لا تفعل يا أبا عبد الله، فقلت: قد فعلت. وأخرجت القاسم فحملته على دابّة ووافيت المعتصم. فلما بصر بي قال: بك يا أبا عبد الله وريت زنادي، ثم ردّ عليّ خبري مع الأفشين حدسا بظنّه، فما أخطأ منه حرفا.
«460» - قال دكين الراجز: امتدحت عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة، فأمر لي بخمس عشرة ناقة كرائم، وكرهت أن أرمي بهن الفجاج، ولم تطب نفسي ببيعهنّ. فقدمت علينا رفقة من مضر، فسألتهم الصحبة، فقالوا: ذاك إليك ونحن نخرج الليلة، فأتيته فودّعته وعنده شيخان لا أعرفهما.
فقال لي: يا دكين، إنّ لي نفسا توّاقة، فإن صرت إلى أكثر ممّا أنا فيه، فاتني ذلك الإحسان، فقلت: أشهد لي بذلك. قال: أشهد الله عزّ وجلّ، قلت ومن خلقه؟ قال: هذين الشيخين. فأقبلت على أحدهما فقلت: من أنت؟
أعرفك؟ قال: سالم بن عبد الله بن عمر، فقلت له: لقد استسمنت الشاهد؛ وقلت للآخر: من أنت؟ قال: أبو يحيى مولى الأمير. فخرجت إلى بلدي بهن، فرمى الله فيهم بالبركة حتى اعتقدت [1] منهنّ الإبل والعبد. فإني لبصحراء فلج إذا ناع ينعى سليمان. قلت: من القائم بعده؟ قال: عمر بن عبد العزيز.
ولقيني جرير منصرفا من عنده، فقلت: يا أبا حزرة، من أين أقبلت؟ قال: من عند من يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، فانطلقت فإذا هو في عرصة الدار وقد أحاط به الناس فلم أخلص إليه [فناديت] : [من الرجز]
يا عمر الخيرات والمكارم ... وعمر الدسائع العظائم
__________
[1] اعتقد: اشترى أو اقتنى.

الصفحة 238