كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

ببغداد في المضارب وقد بدأ بنيانها في جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة، وعمّه عبد الله بن عليّ محبوس عنده، فعظم عليه خروجه. فأرسل إلى عمّه بقوم من أهله يستشيره، وكان عبد الله بن عليّ ذا رأي في الحرب، فقال: إنّ المحبوس محبوس الرأي، فأخرجوني يخرج رأيي. فأرسل إليه أبو جعفر: لو جاءني محمد بن عبد الله يضرب عليّ بابي ما أخرجتك وأنا خير لك منه.
فأرسل إليه عبد الله: ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة، واجثم على أكباد أهلها، فإنّهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم، ثم احففها بالمسالح، فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه فاضرب عنقه، وابعث إلى سلم بن قتيبة، وكان بالرّيّ، فينحدر إليك واكتب إلى أهل الشام ومرهم أن يحملوا إليك أهل البأس والنجدة على البريد، وابعثهم مع سلم، وأحسن جوائزهم. ففعل ما أشار به.
492- ولمّا سار إلى الكوفة وجّه عيسى بن موسى لمحاربة محمد، وعهد إليه فقال: إذا صرت إن شاء الله إلى المدينة، فادع محمد بن عبد الله إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فإن أجابك فاقبل منه، وإن هرب منك، فلا تتبعه، وإن أبى إلا الحرب والمناجزة، فناجزه واستعن بالله عليه، وإذا ظفرت به، فلا تخيفنّ أهل المدينة، وعمّهم بالعفو، فإنّهم الأصل والعشيرة وذرّيّة المهاجرين والأنصار، وجيران قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم. هذه وصيّتي إيّاك، لا كما أوصى يزيد اللعين مسلم بن عقبة حين وجّهه إلى المدينة؛ فإنّه أمره أن يقتل من ظفر به ما بين ثنيّة الوداع إلى بني عمرو بن مبذول كلّ من أنبت ويييحها ثلاثة أيّام؛ ففعل مسلم ذلك، وبلغ يزيد فعله، فتمثّل بشعر ابن الزّبعرى في يوم أحد، فخر المشركون على المسلمين يقول: [من الرمل]
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل [1]
__________
[1] البيتان لابن الزبعرى انظر سيرة ابن هشام 3: 137.

الصفحة 248