كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

حين حكّت بقباء بركها ... واستحرّ القتل في عبد الأشل
وأمير المؤمنين يعوذ بالله أن يبتليه بغشم رعيّته وسفك دمائهم، ويسأله أن يلهمه الرأفة بهم، والرحمة لهم، والعطف عليهم، إنّه سميع قريب. ثم سر إلى مكّة، فاعف عنهم واصفح، فإنّهم أهل [بيت] الله وجيرانه، وسكّان حرمه وأمنه، وأهل الأصل ومنبت الفرع والعشيرة، وعظّم البيت والحرم، ولا تلحد فيه بظلم، فإنّه حرم الله الذي بعث منه نبيّه صلّى الله عليه وسلم، وشرف به آباؤنا، فبتشريف الله آباءنا شرّفتنا العرب.
هذه وصيتي إليك لا كما وصّى أبو ذباب خنّور بن خنور حين وجّهه إلى مكّة، فإنّه أمره أن يقتل كلّ محتلم ما بين المعلاة والمسفلة، ويضع المجانيق على الكعبة، ويلحد ويظلم في الحرم، ففعل الحجّاج ذلك، وبلغ الخبر عبد الملك، فتمثّل قول عمرو بن كلثوم: [من الوافر]
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا
وقتل محمد بن عبد الله للنصف من شهر رمضان، وخرج إبراهيم [بن عبد الله] ابن الحسن أخوه غرّة شهر رمضان قبل قتل محمد بخمسة عشر يوما بالبصرة، وعظم أمره، فكان في سبعين ألفا، وغلب على الأهواز وفارس وواسط.
«493» - ويقال: إنّ المنصور لم يكن [ينام] أيام حربه ابني عبد الله بن الحسن، وأنه جلس على مصلّى خمسين ليلة ينام عليه ويجلس عليه، وعليه جبّة قد اتّسخ جيبها، وليس تحتها شيء، فما نزعها حتى فتح عليه. وأتته قيّمة نسائه في تلك الأيام بامرأتين أهديتا إليه من المدينة: فاطمة ابنة محمد بن محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله، وأمة الكريم ابنة عبد الله من ولد خالد

الصفحة 249