كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

أقوله أنا لك؟ قلت: ما رآه أمير المؤمنين. قال: كأني بك وقد استحسنت ما رأيت من أمرنا في العامة فقلت في نفسك: أيّ خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول بمقالة أبيه في القرآن! فورد عليّ أمر جليل بقيت له متحيّرا؛ ثم قلت يا صالح: [وهل] نموت إلّا مرّة واحدة! وهل يحسن الكذب في جدّ أو هزل؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما خرمت حرفا ممّا دار في نفسي. فأطرق ساعة ثم قال لي: يا صالح، اسمع منّي ما أقول لك، فو الله الذي لا إله غيره لتسمعنّ منّي حقّا ما شانه غيره.
فقلت: يا سيّدي، ومن أولى بالحقّ منك، وأنت خليفة الله، وابن عمّ رسول الله؟
فقال: ما زلت برهة من خلافة الواثق رضي الله عنه أقول بهذه المقالة حتى أقدم ابن أبي دواد علينا في المحنة شيخا من أهل الشام، ثم من أهل أذنة؛ فأحضره الواثق، فأدخل شيخ جميل تامّ بهيّ، وفي رجليه قيدان ثقيلان؛ فرأينا الواثق كالمستحي منه، الراحم له، فأسندناه حتى قرب منه؛ فسلّم الشيخ فردّ عليه، ودعا فأوجز في الدعاء؛ فقال له الواثق: يا شيخ، ناظر أحمد بن أبي دواد على ما يناظرك عليه؛ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، أحمد يصبو [1] ويضعف عن المناظرة ويقلّ عنها أيضا؛ فغضب الواثق وقال: ويلك! أبو عبد الله يصبو ويضعف ويقلّ عن مناظرة مثلك! واحمرّ وجهه ودارت عيناه؛ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، هوّن عليك، وليسكن ما بك، وائذن في مناظرته تعلم صدق قولي.
قال الشيخ: يا أحمد، تسألني أم أسألك؟ قال: سل؛ قال: إلام تدعو الناس وتدعوني؟ قال: إلى أن يقولوا: إنّ القرآن مخلوق.
قال الشيخ: ولم يا أحمد؟
قال: لأنّ كلّ شيء دون الله مخلوق.
فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن هذه المقالة، هي داخلة في عقد الدين، فلا يكمل الدين حتى يقال بها؟
__________
[1] مروج: يقلّ.

الصفحة 252