كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

واختبؤوها فيك، وإن كنت عندهم عدلا سقطت شهادتك، وإن كنت مستورا انكشفت لهم عورتك، اخرج أخرج الله نفسك.
ثم قال لعبد الصمد: أمرتك أن تدخل عليّ رجلا حصيفا، أتدخل عليّ مثل هذا؟ اخرج فجئني بغيره. فخرج، فأدخل عليه عبّاد بن كثير، فسلّم عليه بالخلافة، فقال له المنصور: أيّ رجل أنا عندك؟ قال: أنت ما علمت ممّن قضى في إمارته بالعدل، وأمنت به السّبل وأمن به الخائف. فسرّ بذلك، فقال:
اختر إمّا جائزتنا فنعطيك، وإمّا ولا يتنا فنولّيك. قال: يا أمير المؤمنين، إنّ القرب منك العزّ العزيز والبهاء المنيع، وإنّ العمل لك ليزيد في عقل الأريب، ويلقّح اللبيب، ويكسب الثروة، غير أنّي شيخ كبير لم أل عملا قطّ، وإن يصلني أمير المؤمنين بشيء أقبله وأجعله من طيّب ما آكله. فأمر له بثلاثمائة دينار وكسوة.
فأخذها وقال: لي حاجة خفيفة، فإن أذنت لي ذكرتها، قال: قد أذنت. قال:
إن خطرت ببال أمير المؤمنين وذكره، فرأى أن يمدّ يده المباركة إليّ فعل. فتبسّم المنصور وقال: نفعل. ثم التفت إلى عبد الصمد فقال له: مثل هذا الشيطان يصلح لمخاطبة الملوك، لا مثل ذلك الأحمق، وكان لا يذكره إلا وجّه إليه بمال وكسوة إلى أن مات عبّاد.
506- قال سلمة بن محارب: لربما كان الخرس خيرا من الكلام.
قيل: كيف ذاك؟ قال: أخبرني أبي قال: كنت مع مسلمة بن عبد الملك لما قتل يزيد بن المهلّب وأتي بالأسرى منهم، فرأيت فيهم مولى لنا، فسألت الشرط تأخيره. فأتي مسلمة بالأسرى، فجعل يعفو عنهم. فناداه مولانا من آخر الناس: أصلح الله الأمير، أنا مولاك، قال: مولاي لا يخرج عليّ مع ابن المهلّب، اضربوا عنقه؛ فقتل.
507- يقال: العلم أحد اللّسانين، والعمّ أحد الأبوين، والتثبّت أحد العفوين، والمطل أحد المنعين، وقلّة العيال أحد اليسارين، والقناعة أحد الرزقين والوعيد أحد الضّربين، والإصلاح أحد الكسبين، والراوية أحد

الصفحة 258