كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

الهاجيين، والهجر أحد الفراقين، واليأس أحد النجحين، والمزاح أحد السّبابين.
«508» - قال ابن عبد الأعلى الكاتب: كنت بحضرة أبي الحسن ابن الفرات في وزارته الأولى وهو جالس يعمل، إذ رفع رأسه وترك العمل من يده وقال:
أريد رجلا لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، يطيعني حقّ الطاعة، فأنفذه في مهمّ لي، فإذا بلغ ما أرسمه له أحسنت إليه إحسانا يظهر عليه وأغنيته. فأمسك من حضر، ووثب رجل يكنى بأبي منصور أخ لابن شبيب حاجب ابن الفرات، فقال: أنا أيها الوزير. فقال: أو تفعل، قال: أفعل وأزيد. قال: كم ترتزق؟
قال: أرتزق مائة وعشرين دينارا؛ قال: وقّعوا له بالضعف. وقال له: سل حوائجك. فسأله أشياء أجابه إليها. فلما فرغ من ذلك قال له: خذ توقيعي وامض إلى ديوان الخراج وأوصله إلى كاتبي الجماعة، وطالبهما بإخراج ما على محمد بن جعفر بن الحجاج، وطالبه بأداء المال، وأتلفه إلى أن تستخرج جميعه منه؛ ولا تسمع منه حجة، ولا تمهله البتّة. فأخذ من رجّالة الباب بعد أن خرج ثلاثين رجلا، فخرجت لأنظر ما يصنع. فدخل إلى الصقر بن محمد وكان هو وعبد الله بن محمد الكلوذاني شركة في الديوان. فأوقع إليه التوقيع وقال له:
أخرج ما على ابن الحجاج، فقال: عليه من باب واحد ألف الف درهم، فطالبه بذلك إلى أن نفرغ من العمل لسائر ما يلزمه. وكان محمد بن جعفر من عمّال علي ابن عيسى. قال: فأحضر ابن الحجاج وشتمه وافترى عليه، وابن الحجاج يستعطفه ويخضع له. ثم أمر بتجريده وإيقاع المكروه به، وهو في ذلك كله يقول: يكفي، الله! ثم أمر أبو منصور بنصب دقل وجعل في بكرة في رأسه حبلا وشدّت فيه يدا ابن الحجاج ورفع إلى أعلى الدقل، وهو يستغيث ويقول: يكفي، الله! وما زال معلقا وهو يسأله حطّه وإنظاره إلى أن يوافق الكتّاب على ما أخرج عليه، وهو لا يسمع، وقد قعد تحت الدقل واختلط وغضب من غير غضب،

الصفحة 259