كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

على التقشّف وأخذت أموالهم هل كانت نفس أبغض إليهم من نفسي، أو حياة أثقل عليهم من حياتي؟
فأطرق صالح مفكرا، ثم رفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين، إنّه ليقع في خلدي أنّك قبلت قولي قبول تحقيق لا قبول سمعة ورياء. فقال المهديّ: الله شهيد على ذلك. فقام صالح فدنا من المهديّ، فقبّل رأسه وقال: أعانك الله يا أمير المؤمنين على صالح نيّتك، وأعطاك أفضل ما تأمله في رعيّتك، ووهب لك أعوانا بررة صالحين يعملون بما يجب عليهم فيك، ثم خرج.
«512» - لمّا أبعد أبو الفتح بن العميد أبا القاسم بن عباد الصاحب عن خدمة مؤيّد الدولة بن ركن الدولة بن بويه، وتولّى الأمور، تداخله في بعض الليالي عجب وسرور بما هو فيه، فاستدعى ندماءه وهيّء له مجلس عظيم بآلات الذهب والفضّة وفاخر البلّور والمخروط الصيني والطّيب والفواكه، وحضر المغنّون والملهون فشرب آخر يومه وأكثر ليلته، وعمل شعرا أنشده ندماءه وألقاه على المغنّين حتى غنّوا فيه، وهو: [من المتقارب]
دعوت المنى ودعوت الغنى [1] ... فلما أجابا دعوت القدح
وقلت لأيّام شرخ الشباب ... إليّ فهذا أوان المرح
إذا المرء أدرك آماله ... فليس له بعدها مقترح
فغنّي بالشعر واستطابه، وشرب عليه إلى أن سكر، ثم قال لغلمانه: غطّوا المجلس ولا تنقضوا شيئا منه لأصطبح عليه في غد. وقال لندمائه: باكروني ولا تتأخّروا، وقام إلى بيت منامه. ووافق ذلك استدعاء مؤيّد الدولة إيّاه في السّحر، فلم يشكّ أنّه لمهمّ من خدمته، فبادر، فلما دخل دار الأمير قبض عليه، وأنفذ
__________
[1] معجم الأدباء: العلا.

الصفحة 264