كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

إلى داره من أخذ جميع ما وجد له، ولم يزل في الاعتقال إلى أن مات تحت العذاب.
«513» - قال أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلويّ: كان المتنبي وهو صبيّ ينزل في جوارنا بالكوفة، وكان أبوه يعرف بعيدان السّقّاء، يستقي على جمل له ولأهل المحلّة. ونشأ له المتنبي، فكان يتبع أهل العلم والأدب ويلازم الورّاقين، وكان ذكيّا حسن الذكاء. فقال لي ورّاق كان يجلس إليه: ما رأيت قطّ أحفظ من هذا الغلام ابن عيدان؛ فقلت له: كيف ذاك؟ قال: كان جالسا عندي اليوم، وقد أحضر رجل كتابا من كتب الأصمعيّ ليبيعه يكون نحو ثلاثين ورقة، فأخذه فنظر فيه طويلا، فقال له الرجل: أريد بيع هذا الدفتر، وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شهر؛ فقال له ابن عيدان: فإن كان قد حفظته في هذه المدّة فما لي عليك؟ قال: إن كنت حفظته فهو لك؛ فأخذت الدفتر من يده، وأخذ يتلوه إلى آخره، ثم استلبه من يدي فجعله في كمّه، وقام. فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن، فقال: ما إلى ذلك سبيل، قد وهبته لي، فمنعناه منه وقلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا.
514- استدعى المتوكّل من البصرة محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأمويّ، وأحمد بن المعذّل بن غيلان العبديّ، وإبراهيم التيميّ، فعرض على كلّ واحد منهم ولاية القضاء بالبصرة، فاحتجّ ابن أبي الشوارب بعلوّ السنّ وأمور تقطعه عن ذلك؛ واحتج أحمد بن المعذّل بضعف البصر؛ وامتنع إبراهيم التيميّ، فقيل له: لم يبق غيرك، وجزم عليه، فولي. فنزلت حاله عند أهل العلم، وعلت حال الآخرين. ويرى الناس أنّ بركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده، فولي منهم أربعة وعشرون قاضيا منهم ثمانية قلّدوا قضاء القضاة، وكان آخرهم أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن العباس بن محمد بن عبد الملك

الصفحة 265