كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

وقد أمره الرشيد أن يتأخّر عنهما قليلا. فبينما هما يتحدّثان إذ مرّا بأعرابيين يتحدّثان فيما يقضيه الله ويقدّره وما سبق من حكمه في خلقه، ثم ضرب أحدهما بيده على منكب الآخر وقال له: اسمع: [من الرجز]
يا أيّها المشعر همّا لا تهمّ ... إنّك إن يقدر لك الحمّى تحم
ولو علوت سامقا من العلم ... ممتنعا لم يعله الطير أشمّ
كيف توقّيك وقد جفّ القلم ... وخطّ أيّام الصحاح والسّقم
فقال الرشيد: ويحك يا عباسيّ! لقد أحسن الأعرابيّ. فقال له الفضل: أعد ما قلت. فتأمّلهما ساعة ثم قال: أمّا بقولك فلا، ولكن إن قال ذاك أعد، أعدت، وأشار إلى الرشيد. فقال الرشيد: كيف تعيد بقولي ولا تعيد بقوله؟ فقال الأعرابي: أما سمعت قول الشاعر: [من الطويل]
متى ما رأى الناس العتيق ومقرفا ... وقد جريا قالوا عتيق ومقرف
فضحك الرشيد واستوقفهما، وقرب الجند وهرثمة، فقال الرشيد لهرثمة:
أمعك شيء؟ قال: نعم، قال: كم هو؟ قال: أربعمائة دينار، قال: أعطها الأعرابيّ، فقال رفيقه: يا سيّدي، أما سمعت قول الشاعر: [من الوافر]
وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس
فقال: وأعط هذا مائتي دينار.
«517» - قال إبراهيم بن غسان: خرجنا يوما مع عبد الله بن طاهر إلى الميدان، فاعترضته امرأة برزة، فقالت له: أيّها الأمير، كادّي وكاسبي وواحدي من الدنيا ابن لي في حبس الأمير منذ أربع سنين، فإن رأى الأمير أن يمنّ به على ضعفي، فعل. قال لها: ومن ابنك؟ قالت: إبراهيم بن الحكم

الصفحة 267