كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

فاتني من اشترائها. فلما قدمت وقد فرغت ممّا وجّهني له، وأدّيت إليه ما عملت به وحمد أثري فيه، سألني عن حالي وخبري، فأخبرته بمكان الجارية وكلفي بها. فأعرض عني وجعل ما بي لا يزداد إلا حدّة، وقلبي لا يزداد إلا كلفا، وصبري لا يزيد إلا ضعفا، [وسليت] نفسي بغيرها فلم تسل عنها. وجعل المنتصر كلّما دخلت عليه وخرجت من عنده يذكرها، ويهيّج شوقي إليها، وتحمّلت عليه بندمائه وأهل الأنس به، وخاصّ من تحظى من جواريه وأمهات أولاده، وأمّ الخليفة، على أن يشتريها لي، ولا يجيبني إلى ذلك، ويعيرّني بقلّة الصبر. وكان قد أمر أحمد بن الخصيب أن يكتب إلى مصر في ابتياعها وحملها إليه من حيث لا أعلم، فحملت وصارت إليه، ونظر إليها وسمع منها، فعذرني فيها، ودفعها إلى قيّمة جواريه، فأصلحت من شأنها. فلما كان يوم من الأيام استجلسني وأمر بها أن تخرج إلى ستارته، فلما سمعت غناءها عرفتها، وكرهت أن أعلمه أني قد عرفتها حتى ظهر مني ما قد كتمت، وغلبت على صبري. فقال لي:
ما لك يا سعيد؟ قلت: خيرا أيها الأمير! قال: فاقترح عليها صوتا كنت أعلمته أني سمعته منها وأني استحسنته من غنائها، فغنّته، فقال لي: هل تعرف هذا الصوت؟
قلت: إي والله أيها الأمير! وكما تكون المعرفة، وقد كنت أطمع في صاحبته، فأما الآن فقد يئست منها، وكنت كالقاتل نفسه بيده، والجالب الحتف إلى حياته.
فقال: والله يا سعيد ما اشتريتها إلا لك، ويعلم الله أني ما رأيت لها وجها إلا ساعة أدخلت إليّ وقد استراحت من تعب السفر واستراحت من شحوب التّبذّل، فهي لك. فدعوت له بما أمكنني من الدعاء، وشكره عني من حضره من الجلساء؛ وأمر بها فهيّئت، فردّت إليّ حياتي بعد أن أشرفت على الهلكة.
«523» - حدّث محمد بن صالح العلويّ قال: حدثني نمير بن قحيف

الصفحة 271