كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

الهلاليّ وكان حسن الوجه نجيبا، قلّما رأيت في الفتيان مثله، قال: كان منّا فتى يقال له بشر بن عبد الله يعرف بالأشتر، وكان سيّد فتيان بني هلال، أحسنهم وجها، وأسخاهم نفسا، وأطولهم لمّة، وكان معجبا بجارية من قومه يقال لها: جيداء، وكانت بارعة الجمال جدّا. فلما شهر أمره وأمرها، وظهر خبره وخبرها، وقع الشرّ بين أهل بيته وأهل بيتها في سببها حتى قتلوا بينهم القتلى، وقطّعت بينهم الأيدي والأرجل، وافترقوا فريقين لا يحل واحد منهما مع الآخر. قال نمير: فلما طال على الأشتر البلاء والهجر جاءني يوما، فقال: يا نمير، [هل] فيك خير؟ [قلت] : عندي كلّ ما أحببت. قال:
أسعدني على زيارة جيداء، قلت: نعم بالحب والكرامة، فانهض إذا شئت.
قال: فركب وركبت معه، فسرنا يومنا وليلتنا والغد، حتى كان أصيل العشيّ، ثم نظر إلى أدنى سرب أهلها، فأنخنا رواحلنا في شعب خفيّ، وقعد عندها وقال: يا نمير اذهب- رضي الله عنك- فتأنّس للناس واذكر لمن لقيك أنك طالب ضالة، ولا تعرّض بذكري بين شفة ولا لسان إلا أن تلقى جاريتها فلانة راعية ضأنهم فتقرؤها السلام وتسألها الخبر وتعلمها بمكاني.
قال: فخرجت لا أعدو ما أمرني حتى لقيت الجارية، فأبلغتها الرسالة وأعلمتها مكانه، وسألتها عن الخبر، فقالت: هي والله مشدّد عليها محتفظ بها، وعلى ذاك فموعد كما أولئك الشجرات اللواتي عند أعقاب البيوت مع صلاة العشاء. قال: فانصرفت إلى صاحبي فأخبرته الخبر، ثم نهضت أنا وهو نقود راحلتينا حتى أتينا الموعد في الوقت الذي وعدتنا فيه. فلم نلبث إلا قليلا إذا جيداء تمشي حتى دنت منا فوثب الأشتر فصافحها وسلّم عليها.
فوثبت مولّيا عنهما، فقالا: نقسم عليك إلا رجعت! فو الله ما بيننا ريبة ولا قبيح نخلو به دونك، فانصرفت راجعا إليهما حتى جلست معهما. فقال لها الأشتر: أما فيك حيلة يا جيداء فنتعلّل الليلة؟ قالت: لا والله ما لي إلى ذلك سبيل إلا أن أرجع إلى الذي تعلم من البلاء والشرّ. فقال لها: لا بد من ذاك

الصفحة 272