كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

وإن وقعت السماء على الأرض. قالت: فهل في صاحبك هذا خير؟ قالت:
يا فتى هل فيك خير؟ قلت: سلي ما بدا لك فإني منته إلى رأيك ولو كان في ذلك ذهاب نفسي.
قال: فجعلت عليّ ثيابها فلبستها وجعلت عليها ثيابي فلبستها، ثم قالت لي:
اذهب إلى بيتي وادخل في ستري، فإن زوجي سيأتيك مع العتمة فيطلب منك القدح ليحلب فيه الإبل فلا تعطه إياه من يدك، فكذاك كنت أفعل به، فسيذهب فيحلب ثم يأتيك عند [فراغه من] الحلب [والقدح] ملآن لبنا، فيقول: هاك غبوقك؛ فلا تأخذه منه حتى تطيل نكدك عليه ثم خذه أو دعه حتى يضعه؛ ثم لست تراه حتى تصبح إن شاء الله.
قال: فذهبت ففعلت كما أمرتني، حتى إذا جاء بالقدح فيه اللبن أمرني أن آخذه فلم آخذه حتى أطلت نكدي عليه، ثم أهويت آخذه وأهوى يضعه، فاختلفت يدي ويده فانكفأ القدح واندفق ما فيه من اللّبن، فقال: إن هذا لطماح مفرط وضرب بيده إلى مقدّم البيت فاستخرج سوطا ملويّا كمثل الثعبان المطوّق؛ ثم دخل عليّ فهتك السّتر عني وقبض بشعري، وضربني بذلك السّوط ثلاثين إن زادت فقليلا وإن نقصت فقليلا، ثم جاءت أمّه وإخوته وأخت له فانتزعوني من يده؛ ولا والله ما فعلوا ذلك حتى زايلتني روحي، وهممت أن أجأه بالسكين، وإن كان فيها الموت؛ فلما خرجوا عني وهو معهم شددت ستري وقعدت كما كنت، فلم ألبث إلا قليلا وإذا أمّ جيداء قد دخلت عليّ، فكلمتني وهي تحسبني بنتها، فاتّقيتها بالسّكات والبكاء، وتغطيت بثوبي دونها فقالت: يا بنية! اتقي الله ربّك ولا تعرّضي للمكروه من زوجك فذاك أولى بك، فأما الأشتر فلك [1] آخر الدهر.
ثم خرجت من عندي وقالت: سأرسل إليك أختك تؤنسك وتبيت الليلة
__________
[1] مصارع العشاق: فلا أشتر لك.
18 التذكرة الحمدونية 9

الصفحة 273