كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

عندك. فلبثت غير ما كثير ثم إذا جارية قد جاءتني وجعلت تبكي وتدعو على من ضربني، وجعلت لا أكلّمها. ثم اضطجعت إلى جنبي فلما استمكنت منها شددت يدي على فمها وقلت: يا هذه تلك أختك مع الأشتر، وقد قطع ظهري الليلة بسببها، وأنت أولى بالسّتر عليها، فاختاري لنفسك ولها، فو الله لئن تكلّمت بكلمة لأصيحنّ بجهدي حتى تكون الفضيحة شاملة؛ ثم رفعت يدي عن فمها فاهتزّت مثل القصبة من الزرع، وبات معي منها أصلح رفيق رافقته قطّ. فلم تزل تتحدث وتضحك منّي ومما بليت به حتى برق لي النور، ثم إذا جيداء تدخل عليّ من آخر البيت فلما رأتنا ارتاعت منا، وقالت: ويلك من هذا عندك؟ قلت: أختك. قالت: وما السبب؟ قلت: هي تخبرك، فلعمر الله إنها لعالمة.
وأخذت ثيابي ومضيت إلى صاحبي، فركبت أنا وهو خائفين، وخبّرته ما أصابني وكشفت له عن ظهري، فإذا فيه كلّ ضربة تخرج الدّم وحدها. فلما رأى ذلك قال: لقد عظمت صنيعتك وأوجبت علينا شكرك، وخاطرت بنفسك فلا حرمنا الله مكافأتك.
«524» - حدث محمد بن الفضل الجرجرائي في وزارته للمعتصم قال: كنت أتولّى ضياع عجيف بكسكر فرفع عليّ أنني خنته وأخرجت الناحية. فأنفذ إليّ من قيدني، فأدخلت عليه في داره بسرّ من رأى على تلك الحال، فإذا هو يطوف على ضياع فيها، فلما نظر إلي شتمني وقال: أخربت الضياع ونهبت الارتفاع؛ والله لأقتلنّك! هاتم السّياط، فأحضرت ونحّيت للضرب؛ فلما رأيت ذلك ذهب عليّ أمري وبلت في ثيابي. ونظر كاتبه إليّ فقال لعجيف: أعزّ الله الأمير! أنت مشغول القلب بهذا البناء، وضرب هذا الليلة في أيدينا ليس يفوت، فتأمر بحبسه وتنظر في أمره، فإن كانت الرفيعة صحيحة فليس يفوتك عقابه، وإن

الصفحة 274