كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

كانت باطلة لم نتعجّل الإثم والاشتغال عما أنت بسبيله. فأمر بي إلى الحبس فمكثت فيه أياما. وغزا أمير المؤمنين عمورية وقتل عجيفا في نوبة العباس بن المأمون، واتّصل الخبر بكاتبه فأطلقني، وخرجت فلم أهتد إلى حبّة فضة فما فوقها. فقصدت صاحب الديوان بسرّ من رأى لصداقة كانت بيني وبينه، فلما رآني سرّ بإطلاقي، وتوجّع من سوء حالي، وعرض عليّ ماله، فقلت: تتفضل بتصريفي في شيء أستر بجاريه. فقلّدني عملا بنواحي ديار ربيعة، واقترضت من التجار لما سمعوا بخبر ولايتي ما تحمّلت به إلى العمل، وخرجت. وكان في ضياع العمل ضيعة تعرف بعراثا، فنزلتها في بعض طرفي العمل ونزلت دارا منها. فلما كان السحر وجدت المستحمّ ضيّقا غير نظيف، فخرجت إلى ظاهر الدار، وإذا بتلّ، فجلست أبول عليه. وخرج صاحب الدار فقال: أتدري على أي شيء بلت؟ قلت: على تلّ تراب. فضحك وقال: هذا رجل يعرف بعجيف من قوّاد السلطان، كان سخط عليه وحمله مقيّدا، فلما صار إلى ههنا قتل وطرح في هذا المكان تحت حائط، فلما انصرف العسكر طرحنا الحائط عليه لنواريه من الكلاب، فهو تحت على هذا التلّ التراب. قال: فعجبت من بولي خوفا منه ومن بولي على قبره عليه.
«525» - وأورد التنوخي في كتاب «الفرج بعد الشدة» ما هو بالأحداث الغريبة والاتفاقات العجيبة أليق، وبهذا المكان أشبه. قال: غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم، فسبى سبيا كثيرا، وأقام في بعض المنازل، فعرض السبي على السيف، فقتل خلقا، حتى عرض عليه شيخ ضعيف، فأمر بقتله؛ فقال له: ما حاجتك إلى قتل شيخ ضعيف مثلي؟ إن تركتني جئتك بأسيرين من المسلمين شابّين. قال: ومن لي بذلك؟ قال: إني إذا وعدت وفيت. قال: لست أثق بك. قال: فتدعني أطوف في عسكرك لعلي أعرف من يكفل بي إلى أن أمضي

الصفحة 275