كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

إبراهيم عليه وقال: ليس الخراج من عملي ولا لي به بصر. فغضب هشام عليه غضبا شديدا حتى خاف إبراهيم بادرته، فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في الكلام؟ فقال: قل؛ فقال: يقول الله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ
(الأحزاب: 72) لكن والله ما أكره السموات والأرض والجبال حين أبين من حملها ولا سخط عليها، ولقد ذمّ الانسان حين قبلها، فقال هشام: أبيت إلا رفقا وأعفاه.
528- قال أبو عبيدة: كان فتى من الخوارج من بني يشكر مجتهدا، فتزوج بابنة عمّ له، فلما كان ليلة أراد البناء بها أتاه قوم من أصحابه على خيولهم، فوقفوا ببابه فلما علم بهم خرج إليهم، فقال: من أنتم؟ قالوا: قوم من إخوانك، وخرجنا من الدنيا وتركناها لأهلها لنفنى على ما فني عليه السلف الماضون، قال: فانزلوا وأقيموا ليلتكم هذه حتى أخرج معكم غدا؛ قالوا: ما كنا لنعود إلى الدنيا بعد ما خرجنا منها وتركناها لأهلها، قال: فانتظروني. فألقى ثياب عرسه ولبس ثياب سفره، وركب فرسه وهو يقول: [من الرجز]
يا ربّ إنيّ مؤثر ذويكا ... إذ فارقوا الدنيا ويمّموكا
ثم خرج إلى أصحابه فقال: [من الرجز]
سيروا على اسم الله في سبيله ... على يقين الوعد من رسوله
إني به مصدّق وقيله ... لعلّنا نفوز من تمثيله
أو ندرك التفضيل من تفضيله
قالوا: بل أقم في منزلك وتمتّع من أهلك بقية ليلتك، ولا تشمت بهم عدوهم، ونحن مقيمون عليك حتى تصبح، فقال: ما كنت لأرجع إلى الدنيا بعد إذ خرجت منها، ثم أنشأ يقول: [من الرجز]
ما وعد الله من الحور العين ... ومن ثواب المسلمين الشارين

الصفحة 278