كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

خير من الأهل الأولى يموتون ... ويسخطون مرة ويرضون
ثم مضى معهم فلحقتهم خيل لمحمد بن مروان، فقتلوا الطائفة وأسروا الفتى في عدة من أصحابه؛ فبعث بهم محمد إلى الحجاج. فلما رأى الفتى استصغره فدعا به فقال: ويحك ما أخرجك؟ فو الله ما أظنّك تعرف مواقيت الصلاة. قال: ذاك لو كنت اتّكلت على تعليمك يا حجاج، كنت بالحري أن أنزل هذه المنزلة.
قال: فما أخرجك؟ قال: مخافة يوم أنا وأنت فيه نصير؛ قال: وما ذاك اليوم؟
قال: أول آخر وآخر أوّل، مستقبل أول لا آخر له، ومستدبر آخر لا يعود بعد نفاذه، لا بعده أجل، ولا فيه عمل، ولا عنده مستعتب، ولا إلى غيره مذهب، يأمن فيه الخائف، ويخاف فيه الآمن، ويعزّ فيه الذليل، ويذلّ فيه العزيز، وفي مثل هذا ما أقلق ذكري على فراشه هذا، والأئمة تعدل، فكيف إذا كانت تضلّ وتضلّل، فاقض ما أنت قاض؛ قال: أجزعت من الموت؟ قال: لا والله ما جزعت من قضاء، ولا أسفت على بلاء، ولا كرهت لربّي لقاء، وللموت ما خلقت، وما لي حاجة إلا فيه، فهل يجزع الرجل من قضاء حاجته؟ قال: أما والله لأعجلنّ لك من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر؛ قال: أما والله لو علمت أنّ بيدك تعجيله لعلمت أن بيدك تأخيره، لأن من يقدر على تعجيله يقدر على تأخيره؛ قال: والله لأقتلنّك؛ قال: إذن لا يعزّ الله بقتلي باطلا، ولا يبطل به حقّا، فلئن قتلتني لأخاصمنّك بحيث يزول عنك وعن ابن الزرقاء عزّكما، ولا يدفع عنكما سلطانكما، وحيث لا تقبل لكما عذرة، ولا تنفعكما حجّة؛ فأمر بقتله.
529- قال علي بن حرملة: رأيت أبا حنيفة حين ورد عليه خبر إبراهيم الصائغ وتعرّضه لأبي مسلم حتى قتله، فقال: والله لقد كنت أتخوف عليه هذا الأمر حتى وقع فيه. قالوا: كيف يا أبا حنيفة؟ قال: صار إليّ وسألني خلوة فوعدته، ولم أقدر لاجتماع الحاجّ عليّ؛ فكان يتقاضاني ويذكر الموعد؛ فقلت له: ترى شغلي بالحاجّ، فقال: إن الله يسألك عن أمري. قال: فخلا معي ساعة

الصفحة 279