كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

إن لم يفعل ما أراد ضربه كلّ جمعة سياطا حتى يقتله. قال: فأخرج والفقهاء جلوس، فمالوا به إلى إخوانه فوقف عليهم فقالوا له: ننشدك الله أن تتلف نفسك، وتغمّ إخوانك، وتعرض لهذا الجبّار، وإنا قد كرهنا هذا الأمر كما كرهت، ولكن نشتري الدين بعضه ببعض. فقال أبو حنيفة: لا والله لا آثرت على الله شيئا، ولا أدخل في عمل، لو سألني أن أعدّ له أساطين المسجد والله ما فعلت، فكيف ولو ترى أن نكتب في دم رجل لعله غير مستحقّ فأختم أنا على كتابه ونأخذ المال من غير حقّه فينفقه على معاصي الله وأعينه على حفظه. فقال ابن أبي ليلى: دعوا صاحبكم وما يحمل على نفسه، فهو والله المصيب ونحن المخطئون؛ يا أخي لو وطّنّا لأنفسنا على ما وطّنت نفسك عليه كان خيرا لنا.
فحبسه صاحب الشرطة عنده جمعتين ولم يضربه، ثم أخرجه واعتذر إليه وقال:
إن هذا الأمير لا يختار عليه، فإمّا أن تدخل فيما أمرك به أو أمضي فيك أمره؛ قال: من تقلّد شيئا كان عليه؛ فضربه. فقال ابن هبيرة: ألا ناصح لهذا المحبوس يستأجله فنؤجّله لينظر في أمره؟ فجيء إلى أبي حنيفة فأخبر، فلما كانت الجمعة الثانية أخرج، فقال: إنّ أثر السّياط طريّ في جنبي، ولي إخوان فدعوني أستشرهم وأنظر فيما يدعونني إليه. فاغتنم إليه. فاغتنم ابن هبيرة قوله وأمر بتخلية سبيله.
فركب دوابّه وهرب إلى مكة، فلم يزل مقيما بها حتى ظهرت الهاشمية وملكوا.
«532» - فقدم أبو حنيفة الكوفة فأرسل إليه أبو جعفر فضمّه إليه ببغداد، وأمر له بجارية وبعشرة آلاف درهم. وكان عبد الملك بن حميد على وزارة أبي جعفر، وكان حسن الرأي فيه، فقال: لا حاجة لي في الجائزة ولا في الجارية.
فقال: أنشدك الله، فإنه أمير المؤمنين، وهو سريع الغضب، ولا آمن عليك غضبه، وأخاف أن يصدق عليك ما يظنّ بك. فأبى أن يقبض من ذلك شيئا.
قال: فأنا أردّ الدارهم إلى بيت المال وأعتذر لك؛ فالجارية أيّ عذر لك فيها؟

الصفحة 281