كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

الذي قلّدني الله عزّ وجلّ من أمر أمة محمد صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: إنّ ملك الدنيا يؤتيه الله من يشاء وملك الآخرة يؤتيه الله من طلبه في الله ووفّقه، وإن التوفيق منك إذا أطعته قريب وإذا عصيته بعيد، وإن الخلافة تكون بإجماع أهل التقوى عليها والعون لمن وليها، وأنت وأعوانك خارجون من التوفيق، عالون على الخلق، فإن سألت الله السلامة، وتقرّبت إليه بالأعمال الزاكية، كان في ذلك نجاتك وإلا فأنت المطلوب. قال: فكنت أنا ومالك بن أنس نجمع ثيابنا أن يترشّش علينا من دمه. قال: فقال لأبي حنيفة: ما تقول؟ قال: المسترشد لدينه يكون بعيد الغضب، إن أنت نصحت نفسك علمت أنك لم ترد الله باجتماعنا، وإنما أردت أن تعلم العامة أنّا نقول فيك ما تهواه مخافة سيفك وحبسك، ولقد وليت الخلافة وما اجتمع عليك نفسان من أهل التقوى، والخلافة تكون عن إجماع المؤمنين ومشورة، وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمسك عن الحكم ستة أشهر حتى أتته بيعة أهل اليمن. قال: وقال لمالك: ما تقول؟ قال: لو لم يرك الله أهلا لذلك ما قدّر لك ملك هذه الأمّة وأزال عنهم من بعد من بينهم، وقرّب هذا الأمر إلى أهل بيت نبيّه، والله لقد دحر الله الباطل، وأنجى أهل بيت نبيّه، أعانك الله على ما ولّاك، وألهمك الشكر على ما خوّلك، وأعانك على ما استرعاك. قال: فأمرهم فانصرفوا. وقال لي المنصور: خذ معك ثلاث بدر واتبع القوم، فإن أخذها مالك كلّها فادفعها إليه، وإن أخذ ابن أبي ذئب وأبو حنيفة منها شيئا فجئني برؤوسهما. قال: فأتيت ابن أبي ذئب فقال: ما أرضى هذا المال له، فكيف آخذه لنفسي؟ وقال أبو حنيفة: (ما أنفع له إن كان يعطي من يرحم أن يرحم نفسه ممن يعلم) [1] ، والله لو ضربت عنقي على أن أمسّ منها شيئا ما مسسته؛ فأتيت مالكا فأخذها كلّها. فأتيت المنصور فأعلمته وبهذه الصيانة حقنوا دماءهم.
__________
[1] ما بين قوسين لم يرد عند الكردي.

الصفحة 284