كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

جذعها وأغصانها في اللبود على الجمال لتنصب بين يديه حتى يبصرها. فأنكر عليه ذلك، وخوّف بالطيرة فلم تنفع السروة شفاعة الشافعين. وحكي أن أهل الناحية ضمنوا مالا جزيلا على إعفائها، فلم ينفع. فقطعت وعظمت المصيبة وارتفع الصياح والبكاء، ورثاها الشعراء، وقال علي بن الجهم: [من الكامل]
قالوا [1] سرى لسبيله المتوكل ... فالسرو يسري والمنية تنزل
ما سربلت إلا لأنّ إمامنا ... بالسيف من أولاده متسربل
فجرى الأمر على ذلك، وقتل المتوكل قبل وصول السروة إليه.
549- اجتمع ببغداد عشرة فتية على لهو، فرفعوا أحدهم في حاجة فرجع وفي يده بطيخة يشمّها ويقبّلها. فقال لهم: جئتكم بفائدة: وضع بشر الحافي يده على هذه البطّيخة فاشتريتها بعشرين درهما تبرّكا بموضع يده. فأخذ كلّ واحد يقبّلها ويضعها على عينه. فقال أحدهم: ما الذي بلّغ بشرا ما أرى؟ قالوا:
تقوى الله والعمل الصالح. قال: فإني أشهدكم أنّي تائب إلى الله وأني داخل في طريقة بشر. فوافقوه على ذلك وخرجوا إلى طرسوس فاستشهدوا.
550- روي أن الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: يا أبا الحسن خذ فدك حتى أردّها إليك فيأبى، حتى ألحّ عليه، فقال: لا آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: يا أمير المؤمنين إن حدّدتها لم تردّها؛ قال: بحقّ جدّك إلا فعلت؛ قال: أما الحدّ الأول فعدن، فتغيّر وجه الرشيد وقال: هيه! قال: والحدّ الثاني سمرقند، فاربدّ وجهه، قال: والحدّ الثالث أفريقيّة، فاسودّ وجهه وقال: هيه! قال: والرابع سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينية. قال الرشيد: فلم تبق لنا شيئا! فتحوّل من مجلسي. قال موسى: قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردّها. فعند ذلك عزم على قتله، واستكفى أمره يحيى بن خالد. فأراه بثرة خرجت في كفه، قال:
هذه علامة أهل بيتنا قد ظهرت فيّ، وأنا أقضي عن قرب، فقد كفيت أمري.
__________
[1] ثمار القلوب: فأل.

الصفحة 289