كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

اخرج أيّ يوم شئت، فخرجت من غد، فخرج هو وأمير البلد وقاضيه ووجوه أهله، فشيّعوني إلى ظاهر البلد، وقال لي: أقم في ظاهر البلد على خمسة فراسخ إلى أن أزيح علّة قائد يصحبك برجاله إلى الرّملة، فإنّ الطريق فاسد. فلما قال ذلك استوحشت من قوله وقلت: هذا إنّما غرّني حتى أخرج كلّ ما أملكه فيتمكّن منه في ظاهر البلد، فيقبضه ثم يردّني إلى الحبس والتوكيل والمطالبة، ويحتجّ عليّ بكتاب ثان يذكر أنّه ورد إليه. فخرجت وأقمت بالمرحلة التي آثرها مستسلما متوقّعا للشرّ، إلى أن رأيت أوّل عسكر مقبل فقلت: لعلّه القائد الذي يريد أن يصحبني إيّاه، أو لعلّه الذي يريد أن يقبض عليّ. فأمرت غلماني بمعرفة الخبر، فقالوا: العامل أحمد بن أبي خالد قد جاء، فلم أشكّ إلا أنّه قد جاء الشّرّ والبلاء بوروده، فخرجت من مضربي، فتلقّيته وسلّمت عليه. فلما جلس قال:
أخلونا، فلم أشكّ إلا أنه للقبض عليّ، وطار عقلي، فقام من كان عندي فلم يبق عندي أحد، فقال لي: أنا أعلم أنّ أيّامك لم تطل بمصر، ولا حظيت بكبير فائدة، وذلك الباب الذي سألتنيه في ولايتك فلم أستجب له، إنّما أجزت الإذن لك في الانصراف منذ أوّل الأمر لأني تشاغلت لك بالفراغ منه. وقد حططت من الارتفاع، وزدت في النّفقات في كلّ سنة خمسة عشر ألف دينار ليكون للسنتين ثلاثون ألف دينار، وهو مقرّب ولا يظهر، ويكون أيسر ممّا أردته مني في ذلك الوقت، وقد تشاغلت به حتى جمعته لك، وهذا المال على البغال قد جئتك به، فتقدّم إلى من يتسلّمه، فتقدّمت بقبضه، وقبّلت يده وقلت: والله يا سيّدي فعلت ما لم تفعله البرامكة، فأنكر ذلك وتقبّض منه، وقبّل يدي ورجلي وقال: ههنا شيء آخر أريد أن تقبله؛ فقلت: ما هو؟ قال: خمسة آلاف دينار قد استحققتها من رزقي، فامتنعت من ذلك وقلت: في ما تفضّلت به زيادة على كفايتي؛ فحلف بالطلاق أنّي أقبلها منه، فقبلتها؛ فقال: ههنا ألطاف من هدايا مصر أحببت أن أصحبك إيّاها، فإنك تمضي إلى كتّاب الدواوين ورؤساء الحضرة، فيقولون لك: وليت مصر، فأين نصيبنا من هداياها؟ ولم تطل

الصفحة 299