كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

وكانت من أجمل النساء- فوضع الوهق [1] على رجليها، وكانت تقول: إنّا لله! عروس بالليل ومعذّبة بالنهار! فبلغ ذلك أبا العباس، وكان عبد الله قد استخرج منها البدنة. قال: فبعثني وبعث معي رجلا وأمرنا أن نحملها من دمشق ونحمل معها البدنة، وأوصانا بقتلها في الطريق لئلا ترد على أبي العباس فتخبره بما كان منه إليها. فسرنا بها مراحل، فبينا نحن في ليلة ظلماء إذ عدلنا بها عن الطريق، ثم استنزلناها فظنّت أنّا نريدها لفاحشة، فقالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! اتقيا الله عزّ وجلّ ولا تفضحاني. فقلنا لها: ما يراد بك أعظم من ذلك. فقالت: القتل؟
فقلنا: نعم. قالت: الحمد لله ربّ العالمين! دعاني أصلح من شأني؛ فعقدت كمّيها ولفّت رأسها في مقنعتها، وجثت على ركبتيها، فقتلناها ثم حفرنا لها حفيرة وواريناها فيها، ثم قدمنا على أبي العباس فدفعنا إليه البدنة وقلنا له: ماتت في الطريق، فلم يسألنا عن غير ذلك.
579- قال أبو الطفيل: ولد لرجل غلام على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأتي به فدعا له وأخذ ببشرة جبهته فقال بها هكذا، غمر جبهته ودعا له بالبركة فنبتت شعرة في جبهته كأنها هلبة فرس. فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أحبّهم فسقطت الشعرة عن جبهته. فأخذه أبوه فقيّده، ودخلنا عليه فوعظناه؛ وقلنا له: ألم تر أنّ بركة دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد وقعت من جبهتك؟ فما زلنا به حتى رجع وتاب فردّ الله الشعرة في جبهته.
«580» - قيل للاسكندر: لو استكثرت من النّساء ليكثر ولدك ويدوم بهم ذكرك. فقال: دوام الذّكر بتحسين السّير والسّنن، ولا يحسن بمن غلب الرجال أن تغلبه النّساء.
__________
[1] الوهق: حبل في طرفيه أنشوطة.

الصفحة 308