كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

أنشدني أخي مسلمة أبيات شعر سمعها من أمير المؤمنين عبد الملك، وذكر عنه أنّه وجدها في كتب الملاحم: [من الطويل]
إذا ما بغت شرق البلاد على الغرب ... نظرت إلى الأطواد تسحل كالربّ
وكان الأقاصي والأداني كلاهما ... على دول للشرق جاءت من الغرب
يدير رحاها من خراسان عصبة ... وآل زريق في رحى القوم كالقطب
بني أسعد قد هبّت الريح بالتي ... تريدونها ممّا يسطّر في الكتب
ومضى الدهر وظهر أمر ولد العباس، فحدّث الحارث بن عبدان البصري في أيام المنصور بهذا الحديث، فقال: لقد سمعت أبا مسلم يحكي هذا الخبر، وزادني في الشعر بيتين وهما:
على ولد العبّاس بعد أميّة ... فصونوا جمالا لا تزحزح بالجذب
إلى أن ينادي صارخ الله فيهم ... بعيسى إماما فالقيامة بالقرب
قال الحارث: فقلت له: من آل زريق؟ فقال: مصعب بن زريق أحد السبعين، وقد روينا لهم دولة تكون بيننا وبينها ستون سنة.
628- طلب أبو جعفر الربيع يوما فلم يجده، فلما دخل عليه سأله عن خبره فقال: كنت عند سليمان الكاتب- يعني أبا أيوب المورياني- فقال: من رأيت عنده؟ قال: عبد الملك بن مروان بن محمد، وقد كلّمه في حاجة فقضاها، فقام عبد الملك فقبّل رأس سليمان. وكان أبو جعفر متكئا فاستوى جالسا وقال:
يا ربيع قبّل عبد الملك رأس سليمان؟ فقال: نعم؛ فقال: الحمد لله، وخرّ ساجدا، فأطال ثم رفع رأسه، فقال لي: يا ربيع، أيّ نعمة جدّد الله عند أمير المؤمنين في هذا الوقت؟ قلت: لا أعلم، وأسأل الله أن يجدّد عنده النعم ويواليها ويزيد فيها. فكشف عن ساقيه فإذا فيهما أثر وحش. قال: إنّي لبدمشق في أيام مروان إذ رأيت للناس حركة فقلت: من هذا؟ فقيل: عبد الملك ابن أمير المؤمنين يركب، وما ركب قبل ذلك، فقد أمر الجند والخيول بالزينة. وانجفل الناس

الصفحة 319