كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

للنظر إليه. فخرجت في من خرج، فازدحم الناس على بعض الطريق زحمة شديدة، وكانت دابّتي صعبة، فسقطت عنها، وغشيني الناس، فمكثت دهرا عليلا، وها هو ذا اليوم يقبّل رأس كاتبي؛ فأحمد الله على نعمته وحسن إدالته.
62»
- قيل: إن المنصور لما كان مستترا بالأهواز نزل على بعض الدهاقين فاستتر عنده، فأكرمه الدّهقان بجميع ما يقدر عليه حتى أخدمه ابنته، وكانت في غاية الجمال. فقال أبو جعفر: لست أستحلّ استخدامها والخلوة بها وهي جارية حرّة، فزوّجه إياها، فعلقت منه. وأراد أبو جعفر الخروج إلى البصرة فودّعهم، ودفع إلى الجارية قميصه وخاتمه، وقال: إن ولدت فاحتفظي بولدك، فمتى سمعت أنه قام في الناس رجل يقال له عبد الله بن محمد يكنى أبا جعفر فصيري إليه بولدك وبهذا الخاتم والقميص، فإنه يعرف حقّك ويحسن الصنيع إليك. وفارقهم فولدت ابنا ونشأ الغلام وترعرع، وكان يلعب مع أقرانه. وملك أبو جعفر، فعيّره أقرانه بأنّه لا يعرف له أب. فدخل إلى أمّه حزينا كئيبا، فسألته عن حاله، فذكر لها ما قال أقرانه، فقالت: بلى والله، إنّ لك أبا فوق الناس كلّهم؛ قال لها: ومن هو؟ قالت: القائم بالملك. قال: هذا أبي وأنا على هذه الحال؟ هل من شيء يعرفني به؟ فأخرجت القميص والخاتم.
وشخص الفتى فصار إلى الرّبيع فقال له: نصيحة! قال: هاتها! قال: لا أقولها إلا لأمير المؤمنين. فأعلم المنصور الخبر، فأدخله إليه، فقال: هات نصيحتك.
قال: أخلني، فنحّى من كان عنده وبقي الربيع. فقال: هات، قال: أويتنحّى، فنحّاه، وقال: هات. قال: أنا ابنك. قال: وما علامة ذلك؟ فأخرج القميص والخاتم، فعرفهما المنصور. قال: وما منعك أن تقول هذا ظاهرا؟ قال: خفت أن تجحد فيكون سبّة آخر الدهر. فضمّه إليه وقبّله، وقال: أنت الآن ابني حقا. ودعا المورياني فقال: يكون هذا عندك، [ما] تفعله بولد لو كان لي عندك

الصفحة 320