كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

رجل كان بنى القصر المهدوم، وكان ينسب إليه، وكان الرائي إذا رأى القصر وجلالته وعلم أني من ولد الباني له عرف بذلك قديم نعمتي وجلالة أوّلي.
فاستحسن ذلك يحيى منه وقال للفضل وجعفر: لا شيء أبقى من البناء، فاتخذوا منه ما يبقى لكم ذكرا. فاتّخذ جعفر قصره، وكذلك الفضل. وأمر يحيى بإنفاذ كتاب مع المتظلّم يطالب العامل بإعادة قصره وإنصافه في ظلامته.
«632» - وقيل: لما قارب جعفر بن يحيى الفراغ من بناء قصره هذا صار إليه ومعه أصحابه، وفيهم مويس بن عمران، وكان عاقلا كاملا، فطاف به واستحسنه، وقال فيه من حضره من أصحابه في ذلك وأكثر القول ومويس ساكت. فقال جعفر: ما لك لا تتكلم؟ قال له: في ما قال أصحابنا كفاية، وتكرار القول ممّا لا يحتاج إليه. وكان جعفر زكنا، فعلم أن تحت قوله شيئا. قال: وأنت فقل؛ فقال: هو ما قالوا. قال: أقسم لتقولن. قال: إن أبيت إلا أن أقول فتعتزل، ففعل. فقال: تصبر على الصدق؟ قال: نعم قال: فأطيل أم أختصر؟ قال: بل اختصر. قال: اسألك بالله إن خرجت من دارك هذه فمررت بدار لبعض أصحابك تشبهها أو تقاربها فما أنت قائل؟
قال: قد فهمت فما الرأي؟ قال: هو رأي واحد، إن أخّرته عن ساعتك هذه فات فلم تلحقه. قال: وما هو؟ قال: لا أشك أن أمير المؤمنين قد طلبك، وسأل عن خبرك، وضجر بتخلّفك، فأطل اللبث وامض إليه من فورك، وادخل عليه وعليك أثر الغبار، فإذا سألك عن خبرك فقل: صرت إلى الدار التي بنيتها للمأمون، ثم أتبع ذلك من القول ما أنت أعلم به.
قال: وقد كان جعفر اتّخذ في هذا القصر ثلاثمائة وستين مقصورة، وكتب إلى كل ناحية يعمل فيها الفرش بأمر أن يتّخذ لبنائه ما يحتاج إليه من الفرش على ذرعه ومقاديره. وكان قد كثر القول في البناء والفرش. فأقام في الدار ساعة ثم مضى من فوره، ودخل على الرشيد فسأله عن خبره، فقال: كنت في الدار التي اتّخذتها للمأمون على دجلة، وتفقدت بعض ما احتجت إلى تفقّده منها. قال:

الصفحة 322