كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

همّك. قال، فقال لي: لهذا البغل قصة: إني رأيت البارحة في النوم كأنّي راكبه حتى وافيت رأس الجسر، الجانب الشرقي، فوقفت فإذا أنا بصائح يصيح من الجانب الآخر: [من الطويل]
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
قال: فضربت بيدي على قربوس السّرج وقلت:
بلى نحن كنّا أهلها فأصابنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
قال: فانتبهت فلم أشكّ [أني] أنا المراد بالمعنى، فلجأت إلى أخذ الطالع، وضربت الأمر ظهرا لبطن، ووقفت على أنه لا بدّ من انقضاء مدّتنا وزوال أمرنا.
قال: فما كاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور ومعه جونة مغطّاة وفيها رأس جعفر بن يحيى، وقال له: يقول لك أمير المؤمنين وكيف رأيت نقمة الله عزّ وجلّ في الفاجر؟ فقال له يحيى: قل له: يا أمير المؤمنين، أرى أنّك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك.
636- أنفذ ملك الروم إلى المنصور رسولا، فورد عند فراغه من الجانبين من مدينة السّلام. فأمر المنصور عمارة بن حمزة أن يركب معه إلى المهدي وهو نازل في الرصافة. فلما صار إلى الجسر رأى الرسول عليه من الزّمنى والسّؤّال عالما، فقال لترجمانه: قل لهذا- يعني عمارة بن حمزة- إني أرى عندكم قوما يسألون، وقد كان يجب على صاحبك أن يرحم هؤلاء ويكفيهم مؤنهم ومؤن عيالاتهم. فقال له عمارة: قل له إنّ الأموال لا تسعهم.
ومضى إلى المهديّ وعاد إلى المنصور فخبره عمارة بذلك فقال أبو جعفر:
كذبت، ليس الأمر على ما ذكرت، والأموال واسعة، لكن العذر ما أنا ذاكره له، فأحضرنيه. فأحضره إياه، فقال له: قد بلغني ما قلته لصاحبنا وما قاله لك، وكذب لأنّ الأموال واسعة، ولكنّ أمير المؤمنين يكره أن يستأثر على أحد من رعيّته وأهل سلطانه بشيء من حظّ أو فضل في دنيا أو آخرة،

الصفحة 324