كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

وأحبّ أمير المؤمنين أن يشركوه في ثواب السّؤال والزّمنى، وأن ينشلوهم من آفات الدنيا وممّا أعطاهم الله عزّ وجلّ من الرزق، وليكون ذلك تجارة لهم وممحّصا لذنوبهم. فقال الرومي: الحقّ ما قاله أمير المؤمنين.
637- قال أبو إسحاق الصابيء: كنت يوما جالسا في دار المهلبي والقاضي أبو بكر بن قريعة على قرب مني يصلّي. فلما فرغ من صلاته نهض وبسط يديه يدعو، ورفعهما حتى كشف إبطيه، ثم سجد سجدة طويلة وهو يشدّ بجبهته الأرض ويمحي وأنا أتأمله، فلما فرغ من صلاته ودعائه قال لي: لم كنت تحدّ النظر إليّ وتوفّر فكرك عليّ وأنا أصلي؟ أصبوت يا شيخ الصابئة إلى شريعة الملّة الصافية؟ فقلت: لا، بعد، ولكن كنت أعجب من القاضي وهو يرفع يديه حتى يعلو رأسه ثم يحطّ جبهته الأرض حتى كأنّه يحفر بها، فاستشعرت أنه بمثابة من يبتغي طلبته من موضعين متنافيين، وكان عندي أني قد قطعته. فقال: وما ذاك يا شيخ الصابئة بعجيب، وإنّ له من الصواب لأوفر نصيب. فقلت: وكيف ذاك؟ فقال: لأنا نشير بأيدينا إلى مطالع رغبتنا رافعين، قال الله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ
(الذاريات: 22) ، ونخفض جباهنا إلى مصارع أجسامنا خاضعين، قال الله وهو أصدق القائلين:
مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى
(طه: 55) فنحن نستنزل بالأولى لطيف الأرزاق، ونستدفع بالأخرى عنيف الإرهاق، والله كريم. ودمعت عيناه فأبكاني، وعظم في عيني. فدخلت على الوزير وأعدت عليه ذلك، فعجب منه وقال: هو واحد زمانه.
638- قال الوليد بن سريع مولى ابن حريث: وجّهني الجرّاح بن عبد الله من العراق إلى سليمان بن عبد الملك، فخفت أن يسألني عن المطر. فإني لأسير بالسماوة إذا بأعرابي من كلب اسمه شملة، فقلت: يا أعرابيّ، هل لك في درهمين؟ قال: إني والله حريص عليهما فما سببهما؟ قلت: صف لي المطر.
قال: أتعجز أن تقول أصابتنا سماء بمطر يعقد منه الثرى، واستؤصل منه العرق،

الصفحة 325