كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

قالوا لصاحبهم هيهات نلحقه ... فارجع بنا ودع الأعراب في النار
إن القضاء سيأتي دونه أمد ... فاطو الصحيفة واحفظها من النار
«664» - وقال أبو الرّبيس الكلابيّ في غريم له يقال له مكحول كان عند مبايعته إياه لم يسأله عن سعر ولا نقصان كيل، بل كان يستصلح جميع ما يدفعه إليه خديعة ومكرا. فلما بلغ منه ما أراد لحق بالبادية: [من الطويل]
أما راب مكحولا سماحي وأنّني ... إذا بلغ البيع المكاس أسامح
وقولي ولم يبلغ رضاي ولا دنا ... رضيت وهذا من شرا الناس صالح
سيعلم مكحول إذا ضمّ رقعة ... لها طينة أيّ الفريقين رابح
«665» - كان أبان بن عثمان بن عفان من أهزل الناس وأعبثهم وأولعهم؛ وبلغ من عبثه أنه كان يجيء بالليل إلى منزل رجل من أهل المدينة له لقب يغضب منه فيقول: أنا فلان بن فلان ثم يقف فيلقبه فيشتمه أقبح شتم، وأبان يضحك.
فبينا هو ذات يوم جالس وعنده أشعب إذ أقبل أعرابيّ معه جمل، والأعرابيّ أشقر أزرق أزعر [1] يتلظّى كأنه أفعى ويتبيّن الشرّ في وجهه، ما يدنو منه أحد إلا شتمه ونهره. فقال أبان: هذا والله من البادية [2] ، ادعوه لي. فدعوه له وقيل له:
إنّ الأمير أبان بن عثمان يدعوك. فأتاه فسلّم عليه وسأله أبان عن نسبه فانتسب له وقال: حيّاك الله يا خالي، حبيب ازداد حبّا، فجلس، فقال له: إني في طلب جمل مثل جملك هذا منذ زمان فلم أجده كما أشتهي بهذه الصفة وهذه الهامة والصورة والورك والأخفاف، فالحمد لله الذي ظفّرني به عند من أحبّه، أتبيعه؟
__________
[1] أزعر: شرس الخلق.
[2] الأغاني: البابة أي الشرط والصنف المراد.

الصفحة 336