كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

فقال: نعم أيّها الأمير؛ قال: فإني قد بذلت لك به مائة دينار؛ [وكان الجمل يساوي عشرة دنانير [1]] . فطمع الأعرابي وسرّ وانتفخ، وبان الطمع في وجهه، فقال أبان لأشعب: ويلك يا أشعب، إن خالي هذا من أهلك وأقاربك- يعني في الطمع- فأوسع له فيما عندك؛ فقال: نعم بأبي أنت وأمي وزيادة؛ فقال له أبان: يا خال إنما زدتك في الثمن على بصيرة أنّ الجمل يساوي ستّين دينارا، ولكني بذلت لك مائة لقلّة النقد عندنا، وأنا أعطيك به عروضا تساوي مائة.
فزاد طمع الأعرابيّ وقال: لقد قبلت ذلك يا أمير المؤمنين. وأسرّ إلى أشعب، فأخرج شيئا مغطى فقال: أخرج ما جئت به، فأخرج جرد عمامة خلقة تساوي أربعة دراهم، فقال: قوّمها يا أشعب. فقال: عمامة الأمير تعرف به ويشهد فيها الأعياد والجمع ويلقى فيها الخلفاء: خمسون دينارا. قال: ضعها بين يديه وقال لابن رميح [2] أثبت قيمتها، فكتب ذلك ووضعت العمامة بين يدي الأعرابيّ، فكاد يدخل بعضه في بعض غيظا، ولم يقدر على الكلام، ثم قال:
هات قلنسوتي، فأخرج قلنسوة طويلة خلقة قد علاها الوسخ والوهن والدهن تساوي نصف درهم. فقال: قوّم، [فقال:] قلنسوة الأمير تعلو هامته ويصلّي فيها الصلوات الخمس، ويجلس فيها للحكم: ثلاثون دينارا. قال: أثبت، فأثبت ذلك، ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابي، فترّبد وجهه وجحظت عيناه، وهمّ بالوثوب ثم تماسك وهو مقلقل. ثم قال لأشعب: هات ما عندك فأخرج خفين قد نقبا وتقشّرا وتفتّقا، فقال: قوّم، [فقال:] خفا الأمير يطّا بهما الروضة ويعلو بهما منبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم: أربعون دينارا، قال: ضعها بين يديه.
ثم قال للأعرابي: اضمم إليك متاعك. وقال لبعض الأعوان: امض مع الأعرابي. فأخذ القماش فضرب به وجه القوم لا يألو في شدّة الرمي، ثم قال:
أتدري أصلحك الله من أيّ شيء أموت؟ قال: لا، قال: كيف لم أدرك أباك
__________
[1] زيادة من الأغاني.
[2] الأغاني: زبنج وذكر في الهامش أنها في المخطوط زبيج بالتصغير.

الصفحة 337