كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

وكأنه يريد الصلاة، فجاوزته إلى غيره، فنادى: سبحان الله أين السلام؟ من المجنون أنا أو أنت؟ فاستحييت وقلت: السلام عليكم؛ فقال: لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا الردّ الحسن عليك، غير أنّا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر، لأنه يقال: للداخل على القوم دهشة، اجلس أعزّك الله عندنا، وأو مأ إلى حصيره فنفضه كأنّه يوسّع لي، فعزمت على الدنوّ منه، فبادأني القيّم بأمرهم:
إياك إيّاك! فأحجمت. ثم قال وقد كانت معي محبرة: ما هذا؟ أتجالس أصحاب الحديث الأغثياء أم الأدباء أصحاب النحو والشعر؟ قلت: الأدباء، قال: أفتعرف الذي يقول فيه: [من المديد المجزوء]
وفتى من مازن ... ساد أهل البصره
أمّه معرفة ... وأبوه نكره
قلت: لا أعرفه. قال: أفتعرف غلاما قد نبغ في هذا العصر معه ذهن وله حفظ، قد برّز في النحو وجلس في مجلس صاحبه وشاركه فيه يعرف بالمبرّد؟ قلت:
والله أنا عين الخبير به. قال: فهل أنشدك شيئا من شعره؟ فقلت: لا أحسبه يقول الشعر؟ قال: يا سبحان الله! أليس هو الذي يقول: [من الرمل المجزوء]
حبّذا ماء العناقي ... د بريق الغانيات
بهما ينبت لحمي ... ودمي أيّ نبات
أيّها الطالب أشهى ... من لذيد الشهوات
كل بماء المزن تفّا ... ح الخدود الناعمات
قلت: قد سمعته ينشد في مجالس الأنس؟ قال: يا سبحان الله! أو يستحي أن ينشد هذا حول الكعبة؟ ما تسمع الناس يقولون في نسبه؟ قلت: يقولون هو من الأزد، أزد شنوءة، ثم من ثمالة، قال: قاتله الله ما أبعد غوره، أتعرف قوله:
[من الوافر]

الصفحة 340