كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

أن يتعشّى بك. وانصرف الغضبان فنزل رملة كرمان، وهي أرض شديدة الرمضاء، فبينا هو كذلك إذ ورد عليه أعرابي من بني بكر بن وائل على فرس له يقود ناقة، فقال: السلام عليك، فقال الغضبان: السلام كثير وهي كلمة مقولة. قال الأعرابيّ: ما اسمك؟ قال: أخذ. قال: أفتعطي؟ قال: لا أحبّ أن يكون لي اسمان. قال: من أين أقبلت؟ قال: من الدلول. قال: وأين تريد؟
قال: أمشي في مناكبها. قال: من عرض اليوم؟ قال: المتقون. قال: فمن سبق؟ قال: الفائزون. قال: فمن غلب؟ قال: حزب الله. قال: فمن حزب الله؟ قال: هم الغالبون. فعجب الأعرابي من منطقه، قال له: أتقرض؟ قال:
إنما تقرض الفارة. قال: أفتسمع؟ قال: إنما تسمع القينة. قال: أفتنشد؟
قال: إنما تنشد الضالّة. قال: أفتقول؟ قال: إنما يقول الأمير. قال: تتكلم؟
قال: كلّ متكلم. قال: أفتنطق؟ قال: إنما ينطق كتاب الله. قال: أفتسمع؟
قال: حدّثني حتى أسمع. قال: أفتسجع؟ قال: إنما تسجع الحمامة. قال الأعرابي: تالله ما رأيت كاليوم قطّ، قال: بلى ولكنك نسيت. قال الأعرابي:
فكيف أقول؟ قال: لا أدري والله. قال الأعرابي: كيف ترى فرسي هذا؟ قال الغضبان: هو خير من آخر شرّ منه وآخر خير منه وأفره منه. قال الأعرابي: إني قد علمت ذاك، قال: لو علمت لم تسألني. قال الأعرابي: إنك لمنكر، قال الغضبان: إني لمعرّف. قال: ليس ذلك أريد، قال: فما تريد؟ قال: أردت إنك لعاقل، قال: أفتعقل بعيرك هذا؟ قال: لا، أفتأذن لي فأدخل عليك؟ قال الغضبان: وراءك أوسع لك. قال الأعرابي: قد أحرقتني الشمس، قال: الساعة يفيء عليك الفيء. قال الأعرابي: إن الرمضاء قد آذتني، قال: بل على قدمك.
قال: قد أوجعني الحرّ، قال الغضبان: ما لي عليك سلطان. قال الأعرابي: إني لا أريد طعامك ولا شرابك، قال: لا تعرّض بهما، فو الله لا تذوقهما. قال الأعرابي: أما عندك غير هذا، قال: بلى هراوتان أضرب بهما رأسك. قال الأعرابي: والله إني لأظنّك مجنونا، فقال الغضبان: اللهمّ اجعلني ممّن يرغب

الصفحة 345