كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

إليك. قال: إني لأظنّك حروريّا قال: اللهم اجعلني ممّن يتحرى الخير. ثم قال له الغضبان: أهذا البعير لك يا أعرابيّ؟ قال: نعم، فما شأنه؟ قال: أرى فيه داء فهل أنت بائعه ومشتر ما هو شرّ منه؟ فولى الأعرابي وتركه وهو يقول: والله إنك لبذخ أحمق.
فلما قدم الغضبان على الحجاج قال: كيف تركت أهل كرمان؟ قال:
أصلح الله الأمير، أرض ماؤها وشل، وثمرها دقل، ولصّها بطل، والجيش فيها ضعاف، إن كثروا بها جاعوا، وإن قلّوا بها ضاعوا. قال له الحجاج:
أما إنّك صاحب الكلمة التي بلغتني عنك حين قلت: تغدّ بالحجاج قبل أن يتعشّى [بك] . قال الغضبان: أما إنها جعلني الله فداك لم تنفع من قيلت له، ولم تضرّ من قيلت فيه. قال الحجاج: اذهبوا به إلى السجن. فمكث فيه إلى أن بنى الحجاج قبة خضراء في واسط أعجبته كما لم يعجبه بناء قطّ. فقال لمن حوله: كيف ترون قبّتي هذه؟ قالوا: أصلح الله الأمير ما بنى ملك مثلها.
ولا نعلم للعرب مأثرة أفضل منها. قال الحجاج: أما إن لها عيبا وسأبعث إلى من يخبرني به. فبعث إلى الغضبان فأقبل يرسف في قيوده، فلما دخل عليه سلّم فقال له الحجاج: كيف ترى قبّتي هذه؟ قال: أصلح الله الأمير، هذه قبّة بنيت في غير بلدك لغير ولدك، لا يسكنها وارثك ولا يدوم لك بقاءها، كما لم يدم هالك ولم يبق فان، وأما هي فكأن لم تكن. قال: صدق ردّوه إلى السجن فإنه صاحب الكلمة التي بلغتني عنه، قال: أصلح الله الأمير، ما ضرّت من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له. وقال: أتراك تنجو مني! لأقطعنّ يديك ورجليك ولأكوينّ عينيك. قال: ما يخاف وعيدك البريء، ولا ينقطع منك رجاء المسيء. قال: لأقتلنّك إن شاء الله، قال: بغير نفس والعفو أقرب للتقوى. قال الحجاج: إنك لسمين، قال: لم كان القيد والرّتعة، ومن يك جار الأمير يسمن. قال له الحجاج: ردّوه إلى السجن، قال: أصلح الله الأمير، قد أثقلني الحديد فما أطيق المشي، قال: احملوه لعنه

الصفحة 346