وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ... (40)
قرأ بعضهم: (يُلْحِدُونَ) برفع الياء، وقرأ بعضهم بنصبها:
فمن قرأ بالرفع، تأويله: إن الذين يميلون عن قبول آياتنا، قال أَبُو عَوْسَجَةَ: الإلحاد: الميل، وأخذ اللحد من هذا.
ومن قرأ بالنصب يقول: يعملون في آياتنا، إن الذين يعملون في دفع آياتنا وإبطالها.
(لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) وعيد منه لهم، يقول: لا يخفون هم وما يفعلون علينا فيجزيهم بذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
يشبه أن يكون هذا صلة لآيتين تقدم ذكرهما:
إحداهما: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ. . .) الآية هذه في المؤمنين، وقال في الكافرين: (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا) الآية.
والآية الثانية: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ)، يقول: أفمن يلقى في النار بأعماله السوء خير أمن يأتي آمنا عن ذلك بأعماله الحسنة؟! أي: يعلمون أن من يلقى في الآخرة في النار ليس كالذي يأتي آمنا عن ذلك كله، والله أعلم.
وقوله: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ).
يحتمل هذا وجهين:
أحدهما: على التخيير؛ لأنه جل وعلا بيِّن السبيلين جميعًا على المبالغة بيانًا شافيًا واضحًا، وبين عاقبة كل سبيل من سلكه إلى ماذا يفضي، ثم قال: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) أي: اسلكوا أي سبيل شئتم، فإن سلكتم طريق كذا فلكم كذا، وإن سلكتم طريق كذا فلكم كذا، واللَّه أعلم.
والثاني: على الوعيد.
وكذا قوله: (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) على الوعيد.