والخدود: جمعُ خدٍّ، وليس للإنسان إلا خدَّان، وهذا من باب قوله تعالى: {وَأَطرَافَ النَهَارِ} [طه: 130] ولما تضمن ضرب الخدود عدم الرضا بالقضاء والقدر، ووجود الجزع، وعدم الصبر وضرب الوجه الذي نهي عن ضربه من غير اقتران مصيبة كان فعله حرامًا مؤكد التحريم. والجيوب: جمع جيب، وهو: ما يشق من الثوب، ليدخل فيه الرأس، وحرم لما فيه من إظهار السخط وإضاعة المال.
والجاهلية: ما قبل الإسلام، والمراد بدعواها هنا: ما كانت تفعله عند الموت برفع الصوت ويدخل ذلك تحت الصالقة.
وفي حديث آخر: "ودعا بالويل والثبور" (¬1) فتبين بذلك أنه من دعاء الجاهلية. وفي رواية لمسلم "أو" في الموضعين (¬2) وتحمل رواية الواو عليها.
قَالَ الحسن في قوله تعالى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] قال: لا ينحن، ولا يشققن، ولا يخمشن وجهًا، ولا ينشرن شعرًا، ولا يدعون ويلًا.
وقد نسخ الله تعالى ذلك بشريعة الإسلام وأمر بالاقتصاد في الحزن والفرح وترك الغلو في ذلك، وحَض على الصبر عند المصائب
¬__________
(¬1) رواه ابن ماجه (1585) كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في النهي عن ضرب الخدود، وابن حبان في "صحيحه" 7/ 427 - 428 (3156) كتاب: الجنائز، باب: فصل في النياحة ونحوها، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 486 (11343) كتاب: الجنائز، باب: ما ينهى عنه بما يصنع على الميت.
وقال البوصيري في "الزوائد" ص 231 (536): له شاهد في الصحيح، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1289).
(¬2) "صحيح مسلم" (103/ 165) كتاب: الإيمان، باب: تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية.