كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 9)

وفيه: أن الثلث في الوصايا في حد الكثرة.
وقد اختلفت المالكية في مسائل، ففي بعضها جعلوه داخلًا في حد الكثرة بالوصية لقوله - عليه السلام -: "والثلث كثير" وفيه بحث، وقد أجمع العلماء في الأعصار المتأخرة على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بما زاد على الثلث إلا بإجازته (¬1)، وشذ بعض السلف في ذلك، وهو قول أهل الظاهر، فمنعوها وإن أجازها الورثة (¬2)، وأما من لا وارث له فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تصح وصيته فيما زاد على الثلث (¬3)، وجوزه أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق، وأحمد في رواية (¬4).
وفيه: أن طلب الغنى للورثة راجح على تركهم عالة، ومن هذا الوجه أخذ ترجيح الغني على الفقير. وحديث: "ثلاث كيات للذي خلف ثلاثة دنانير" (¬5) لا بد من تأويله، وأوله أبو حاتم بن حبان بأنه كان يسأل الناس إلحافًا وتكثرًا، ومن هنا استحب النقص من الثلث (¬6).
وفيه: الحث على صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب، وأن صلة
¬__________
(¬1) انظر: "الإجماع لابن المنذر" ص 100.
(¬2) "المحلى" 9/ 317.
(¬3) انظر: "المعونة" 2/ 508، "البيان" 8/ 156، "الشرح الكبير" 17/ 217.
(¬4) انظر: "أحكام القرآن للجصاص" 2/ 112، "الشرح الكبير" 17/ 216 - 217.
(¬5) سيأتي برقم (2289) كتاب: الحوالات، باب: إن أحال دين الميت على رجل جاز، مختصرًا دون لفظ: "ثلاث كيات"، وروى هذا الحديث بتمامه النسائي 4/ 65 كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على من عليه دين، وأحمد 4/ 47، وابن حبان في "صحيحه" 8/ 54 - 55 (3264) كتاب: الزكاة، باب: الوعيد لمانع الزكاة، والطبراني 7/ 31 - 32 (6290)، والبيهقي 6/ 72 كتاب: الضمان، باب: وجوب الحق بالضمان، كلهم من حديث سلمة بن الأكوع.
(¬6) "صحيح ابن حبان" 8/ 55.

الصفحة 549