كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 9)

وقال طلحة بن مصرف: لا تشك ضرك ولا مصيبتك. قَالَ: وأنبئت أن يعقوب بن إسحاق عليهما السلام دخل عليه جاره فقال: يا يعقوب، ما لي أراك قد تهشمت وفنيت ولم تبلغ من السنن ما بلغ أبوك؟ قَالَ: هشمني ما ابتلاني الله من يوسف، فأوحى الله تعالى إليه: أتشكوني إلى خلقي؟! قَالَ: يا رب، خطيئة فاغفرها لي. قَالَ: قد غفرتها لك. فكان بعد ذلك إذا سئل قَالَ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} [يوسف: 86] الآية (¬1).
وقد توجع الصالحون على فقد سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحزنوا له أشد الحزن. قَالَ طاوس: ما رأيت خلقًا من خلق الله أشد تعظيمًا لمحارم الله من ابن عباس، وما ذكرته قط فشئت أن أبكي إلا بكيت، ورأيت على خديه مثل الشراكين من بكائه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقال أبو عثمان: رأيت عمر بن الخطاب لما جاءه [نعي] (¬3) النعمان بن مقرن وضع يده على رأسه وجعل يبكي (¬4)، ولما مات سعيد بن الحسن بكى عليه الحسن حولًا فقيل له: يا أبا سعيد، تأمر بالصبر وتبكي؟! قَالَ: الحمد لله الذي جعل هذِه الرحمة في قلوب المؤمنين يرحم بها
¬__________
= والحديث ذكره الحافظ ابن رجب في "شرح علل الترمذي" 2/ 768 - 769 وعزاه لمسلم في "صحيحه".
وذكر ذلك الألباني في "الصحيحة" 1/ 550 ووهَّم الحافظ ابن رجب في عزوه الحديث لمسلم!.
(¬1) رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 281 - 282 (19726).
(¬2) رواه أحمد بن حنبل في "فضائل الصحابة" 2/ 1204 (1837) وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 329.
(¬3) زيادة يقتصها السياق ليتضح المعنى وانظر "الآحاد والمثاني" 2/ 306.
(¬4) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/ 48 (11980) كتاب: الجنائز، باب: في الرجل ينتهي إليه نعي الرجل ما يقول.

الصفحة 564