كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 9)

يَوْمًا") ظاهره أنه أفضل من صوم الدهر عند عدم التضرر، وقد صرح به بعض أصحابنا، ولا شك أن المكلف لم يتعبد بالصيام خاصة، بل به وبالحج والجهاد وغير ذلك.
فإذا استفرغ جهده في الصوم خاصة انقطعت قربه، وبطلت سائر العبادات، فأمر أن يستبقي قوته لها.
وبين ذلك في الحديث الآخر في قصة داود: "وكان لا يفر إذا لاقى" (¬1).
وبين ذلك لعبد الله بن عمرو فقال: إنك إذا قمت الليل -يريد كله- هجمت له العين، ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر (¬2)، وقيل: النهي لمن صام الأيام المنهي عنها، وقيل في قوله: (لا أفضل من ذلك) بالنسبة إلى المخاطب لما علم من حاله ومنتهى قوته، وأن ما هو أكثر من ذلك يضعفه عن فرائضه، ويقعد به عن حقوق نفسه.
الثاني:
وجه ترجمة البخاري من هذا الحديث: نوم داود السدس الأخير، وقام ثلثه، وهو الوقت الذي ينادى فيه: هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ (¬3) ونومه السدس الأخير؛ ليستريح من نصب القيام السابق.
ووجه كونها أحب؛ لأنها أرفق على النفس وأبعد من الملل المؤدي إلى الترك، والله يحب أن يديم فضله ويوالي نعمه أبدا، وقد قَالَ - صلى الله عليه وسلم -:
¬__________
(¬1) يأتي برقم (1979) كتاب: الصوم، باب: صوم داود - عليه السلام -.
(¬2) الموضع السابق.
(¬3) يأتي برقم (1145) أبواب: التهجد، باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل.

الصفحة 59