كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 9)

وحجة هذا القول الحديث السالف خشية الافتراض علينا (¬1)؛ فدل على أنه لم يكن فرضًا علينا، ويجوز أن فُرض ثم نُسخ بقوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل:20] وعلى هذا جماعة من العلماء.
روى النسائي (¬2) من حديث عائشة: افتُرِضَ القيام في أول هذِه السورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه حولًا حَتَّى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا، ثم نزل التخفيف في آخرها، فصار قيام الليل تطوعًا بعد أن كان فريضة (¬3)، وهو قول ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وجماعة، فيما حكاه عنهم النحاس (¬4).
وقال الحسن وابن سيرين: صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر (حلب) (¬5) شاة (¬6)، وهذا أسلفناه فيما مضى (¬7). قَالَ إسماعيل بن إسحاق: أحسبهما قالا ذلك لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] قَالَ الشافعي (¬8): سمعت بعض العلماء يقول: إن الله تعالى أنزل فرضًا في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس فقال: {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} الآية ثم نسخ هذا بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ثم احتمل قوله {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} أن يكون فرضًا ثابتًا لقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}
¬__________
(¬1) سلف برقم (1129) باب: تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الليل ..
(¬2) ورد بهامش الأصل: وحديث عائشة في مسلم أيضًا.
(¬3) "المجتبى" 3/ 199 - 200.
(¬4) "ناسخ الحديث ومنسوخه" 1/ 220 - 221.
(¬5) كُتبت في الهامش وكتب فوقه (سقط).
(¬6) "المصنف" لابن أبي شيبة 2/ 73 (6607، 6608) مَن كان يأمر بقيام الليل.
(¬7) ورد بهامش الأصل: لكن لم يذكر قائله إلا هنا.
(¬8) "الأم" 1/ 59.

الصفحة 82