كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 9)
عَلِيٍّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَوْمَ الأَحْزَابِ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ. مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُم وَقُبُورَهُمْ نَارًا" ثُم صَلَّاهَا بَينَ الْعِشَاءَينِ، بَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
ــ
علي) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عليًّا وزهير بن حرب، غرضه بسوقه بيان متابعة شتير بن شكل لعبيدة السلماني ويحيى بن الجزار في رواية هذا الحديث عن علي، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة (قال) علي رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى) أي الفضلى (صلاة العصر) بدل أو عطف بيان، وفيه حجة على من قال: الصلاة الوسطى غير العصر، وعلى من قال إنها مبهمة أبهمها الله تعالى تحريضا للخلق على محافظتها كساعة الإجابة يوم الجمعة، فإن قيل ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها إنه صلى الله عليه وسلم قال (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) يدل على أن الوسطى غير العصر (قلت) يحتمل أن يكون الوسطى لقبًا والعصر اسمًا فذكرها النبي صلى الله عليه وسلم باسميها كذا في المبارق فتأمله. فالوسطى ثأنيث الأوسط وهو الأعدل من كل شيء، قال أعرابي يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
يا أوسط الناس طُرًّا في مفاخرهم ... وأكرم الناس أُمًا بَرّةً وأبا
(ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا) أي فتنة وخرابًا (ثم صلاها) أي صلى العصر التي فاتته (بين) الغروب وبين صلاتي (العشاءين) يعني بين الغروب و (بين المغرب والعشاء) يعني صلاها بعد الغروب، وقيل المغرب والعشاء مراعاة للترتيب بين القضاء والأداء.
قال القرطبي: وقوله (بين العشاءين بين المغرب والعشاء) ظاهر هذا أنه صلى العصر المتروكة بعد أن صلى المغرب وقبل العشاء، وليس بصحيح بدليل ما جاء في حديث جابر قال: "فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب" رواه أحمد [٣/ ١٢٩] والبخاري [٥٩٨] والترمذي [١٨٠]، والنسائي [٣/ ٨٤] وهذا نص وإنما أراد بقوله بين العشاءين بين وقتي العشاءين فإن التأخير كان منه إلى أن غربت الشمس، ثم توضأ، ثم أوقعها بعد الغروب قبل أن يصلي المغرب، وقد روى الترمذي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه "أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب
الصفحة 18
427