كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 9)
وَقَالتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الآيَةَ فَآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا. فَأمْلَتْ عَلَيَّ: حَافِظُوا عَلى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ الْعَصرِ. وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. قَالتْ عَائِشَةُ: لسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
ــ
مصحفًا. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (وقالت) لي (إذا بلغت) في الكتابة (هذه الآية فآذني) - بمد الهمزة وكسر الذال المعجمة وتشديد النون - أي أعلمنى تريد بقولها هذه الآية قوله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلما بلغتها) أي بلغت هذه الآية في الكتابة (آذنتها) أي أعلمتها (فأملت علي) - بفتح الهمزة وسكون الميم وفتح اللام الخفيفة - من أملى - وبفتح الميم واللام مشددة - من أملل يملل أي ألقت علي فالأول لغة الحجاز، والثانية لغة بني تميم وقيس، والأولى من الإملاء وهو حكاية القول لمن يكتبه، والثانية من الإملال وهي بمعنى الأول أي قرأت علي بلفظ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) بزيادة (وصلاة العصر) على القراءة المشهورة بالواو الفاصلة وهي تدل على أن الوسطى غير العصر لأن العطف يقتضي المغايرة، وأجيب بوجوه أحدها أن هذه القراءة شاذة ليست بحجة ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع وإذا لم يثبت قرآنًا لا يثبت خبرًا قاله النواوي. وثانيها أن يجعل العطف تفسيريًا فيكون الجمع بين الروايات. وثالثها أن تكون الواوفيه زائدة كما زيدت في قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل
أي فلما أجزنا ساحة الحي انتحى فإذا قدرنا زيادتها كانت صلاة العصر هي الصلاة الوسطى ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها "والصلاة الوسطى صلاة العصر" بغير واو (وقوموا لله) في الصلاة (قانتين) أي مطيعين، وقيل ساكتين أي عن كلام الناس لا مطلق الصمت ثم (قالت عائشة) هكذا (سمعتها) أي سمعت هذه الآية (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الباجي: يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت كما في حديث البراء الآتي، فلعل عائشة لم تعلم بنسخها أو اعتقدت أنها مما نسخ حكمه وبقي رسمه، ويحتمل أنه ذكرها صلى الله عليه وسلم على
الصفحة 21
427