كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 9)

وروى البيهقي عن إسماعيل القاضي قال: دخلت على المعتضد بالله فدفع إليَّ كتابًا فنظرت فيه، فإذا قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل واحد منهم، فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر - النبيذ - لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح المسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب (¬١).
وقد شدد العلماء في الإنكار على من تتبع الرخص وزلات العلماء، حيث وصفوه مرة بأنه شر عباد الله كما ذكر ذلك عبدالرزاق عن معمر (¬٢)، وتارة وصفوه بالفسق كما نص عليه ابن النجار، فقال: يحرم على العامي تتبع الرخص ويفسق به (¬٣)، وقال الغزالي: «ليس للعامي أن يستقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده فيتوسع» (¬٤).
وبعض الناس إذا أراد أن يستفتي يسأل في كل مسألة مَنْ عُرفَ بالتساهل فيها، والإفتاء بغير ما عليه جماهير العلماء، فإذا دُلَّ على العلماء الذين يفتون بالكتاب والسنة قال: إن هؤلاء لا يعرفون إلا
---------------
(¬١). رواه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٣٥٦) برقم (٢٠٩٢١)، وانظر: سير أعلام النبلاء (١٣/ ٤٦٥).
(¬٢). انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال (١/ ٢٠٩).
(¬٣). مختصر التحرير ص ٢٥٢.
(¬٤). المستصفى (٢/ ٤٦٩).

الصفحة 378